معاناة اللاجئة الفلسطينية في لبنان في يوم المرأة العالمي
طارق عليوة – خاص لاجئ نت صيدا
ترتبط معاناة المرأة الفلسطينية اللاجئة ارتباطا وثيقا بظروف اقتلاعها وتشريدها من أرضها في أرجاء الأرض، هذه المعاناة لم تخف وطأتها بعد ثمان وخمسين عاماً على كارثة اللجوء؛ حتى وإن كانت الأرض التي احتضنتها جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين التاريخية، وجزء من هويتها الوطنية والسياسية والثقافية، فالمكان الأصلي بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص مرتبط بتحقيق الاستقرار المادي والمعنوي؛ واحد مصادر العطاء والتواصل والبقاء والتوازن، فالتشرد والدخول في دوائر الغربة والاغتراب؛ يعني مذلة التهجير والبعد على الصعيد الإنساني، ويعني في ظل الاحتلال للوطن وفقد السيادة سقوف للنضال الاجتماعي والمطلبي والديمقراطي.
والمعاناة الانسانية والمعيشية هي القاسم المشترك للمرأة اللاجئة في جميع أماكن تواجدها وتحديدا في داخل المخيمات. تتشابه معاناة المرأة اللاجئة مع بعضها في عديد القضايا والعناوين وبالتالي تتوحد برامجها، وتختلف مع بعضها وتتباين في محددات أخرى وفق سياسة البلد المضيف وقوانينه والحريات والمكتسبات التي يمنحها أو يوفرها لهذا القطاع الواسع الذي يطلق عليه اللاجئات الفلسطينيات.
فعلى سبيل المثال فإن المعاملة التمييزية التي تخضع لها المرأة الفلسطينية في لبنان؛ الناجمة عن وجود قوانين تحرم العاملات من حق العمل في عدد كبير من المهن كالطب والمحاماة والهندسة والصيدلة على الرغم من المؤهلات المتقدمة التي يمتلكنها؛ إلى جانب حرمانهن من حق امتلاك العقارات، لا شك أن هذه المعاملة التي تبررها الدولة اللبنانية برفض التوطين؛ تضيق سبل العيش أمام المرأة وتحد من إمكانيات تطورها وتقدمها الحضاري الإنساني؛ وتفاقم من معاناتها الناجمة أصلا عن التهجير، مما يجعلها تعيش في مجتمع يشعرها بالممارسة بأنها منفصلة وغريبة عنه عمليا، مما يدفعها إلى التقوقع والانزواء بمشاعر مريرة من الاغتراب والتوحد، ويجعلها غير قادرة على تطوير ذاتها؛ أو الانخراط في أعمال اجتماعية أو سياسية منظمة.
ونلحظ العزلة والانزواء في مستوى تفاعلها مع العمل العام تحديداً في بلدان اللجوء الأجنبية؛ التي تتضاعف غربتها بسبب خصوصيتها الثقافية؛ فتعيش في مجتمع منفصلة عنه على الرغم من انطباق قوانينه وثقافته ومناهجه التعليمية عليها وعلى أسرتها.
جميع المؤشرات تقود إلى حقيقة أن حياة الفلسطينيات في المخيمات صعبة؛ وتفتقر إلى الحد الأدنى من شروط الحياة في أماكن لا تصلح أحيانا للسكن الآدمي؛ من خيم وبركسات وبيوت الزينكو والصفيح في مخيمات لبنان، في بيئة تفتقر إلى الشروط الصحية والى الخدمات الضرورية التي تعتبر شرطا ضروريا للحياة الانسانية، وهذه المشكلات هي احد سمات مخيمات لبنان .
ومن الناحية الاقتصادية ففي لبنان تتأثر المرأة الفلسطينية بالظروف الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون، حيث يبلغ متوسط دخل الأسرة السنوي 3500 دولار، بينما من المفترض أن يكون حسب معايير الأنروا 8400 دولار سنويا، الأمر الذي يدفع المرأة إلى الانخراط في سوق العمل ضمن محددات القانون الذي يحظر على الفلسطينيين العمل في مهن عديدة، وتكون الحلول العملية أمامها ضيقة؛ لذلك فإننا نجد ان عمل اللاجئات في لبنان يتركز على الخدمة المنزلية؛ حيث تعمل 28% من النساء في هذا المجال؛ وتتوزع باقي العاملات على مجالات الزراعة والصناعة الحرفية والتجارة والتعليم.
وتعاني المرأة الفلسطينية اللاجئة أيضا من صعوبات كبيرة في مجال التنقل والسفر، ففي لبنان أخضعت المخيمات لقوانين حيث اللاجئات من العودة إلى مخيمها الذي تقيم به؛ في حال السفر إلى الخارج إلا بعد الحصول على تأشيرات دخول جديدة؛ مما يقيد حرية الفلسطينيات في التنقل.
وتعاني المرأة الفلسطينية اللاجئة من إمكانيات اللجوء المتعدد، بسبب الحروب والصراعات كما حدث في لبنان على مراحل مختلفة، سواء كانت تلك الحروب بسبب العدوان الإسرائيلي المتكرر؛ أو بسبب الصراعات الأهلية، التي أدت إلى نزوح ولجوء جديد من مخيم إلى مخيم آخر أكثر أمانا، مما انشأ مأساة متكررة من اللجوء المستمر؛ بالإضافة إلى خطر تهديدهن بالإخلاء من جديد.