مفاوضات إسرائيلية فلسطينية في
العتمة
حلمي موسى
أفرجت إسرائيل عن
الدفعة الأولى من المعتقلين الفلسطينيين القدامى وهو ما سهل انعقاد الجولة الأولى
من المفاوضات في القدس بعد لقاء واشنطن. وبدا واضحا للعيان أن الإفراج عن المعتقلين
الذي اعتبر «بادرة حسن نية» إسرائيلية لم يكن إلا أحد عناصر صفقة استئناف
المفاوضات. ومثلما لم يتم الإفراج برضى فإن استئناف المفاوضات تم غالبا بنوع من
انعدام الرضى من الجانبين. ولا يختلف اثنان حول أن تطورات إقليمية وضغوطا دولية
الزمت الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لبحث التسوية
النهائية من دون أن تراود أيا من الأطراف آمال بالنجاح.
وثمة اعتقاد شبه جازم
بأن المفاوضات هي أقرب إلى هدنة سياسية يحاول الطرفان من خلالها كسب الوقت وانتظار
وجهة هبوب الرياح في المنطقة. والواقع أن تحديد مدة المفاوضات بتسعة شهور لا يعني
البتة إيمانا لدى أي من الأطراف بأن بالوسع إنجاز الاتفاق النهائي والشامل بين
إسرائيل والسلطة الفلسطينية خلال هذه الفترة. بل هناك من يؤمن بأن هذه الفترة ليست
كافية حتى لتحقيق اختراق يقود إلى حل دائم. فواقع الائتلاف الحكومي في إسرائيل
يحول تماما دون احتمال التوصل إلى مثل هذا الاتفاق وإلى مثل هذا الاختراق.
ومع ذلك فإن بعض
المتفائلين يتمنون حدوث واحد من اثنين قد يغير الصورة: الأول يتعلق برئيس الحكومة
الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والثاني يتعلق بالرئيس الأميركي باراك أوباما. وفي ما
يتعلق بنتنياهو هناك من يتخيل أنه كزعيم سياسي قد يكون توصل إلى استنتاجات شبيهة
باستنتاجات بعض أسلافه في رئاسة الحكومة من أرييل شارون إلى إيهود أولمرت. وتعني
تلك الاستنتاجات استحالة بقاء الوضع الراهن وبالتالي ينبغي على إسرائيل الاتجاه
نحو واحد من خيارين: حل من طرف واحد أو اتفاق شامل مع الفلسطينيين. ومعروف أن
أرييل شارون اختار طريق الحل من طرف واحد عن طريق بلورة خريطة أمنية لإسرائيل يمكن
أن تخرج من كل ما يقع خارجها. وهو ما جرى في خطة الفصل عن قطاع غزة وما قيل انه
كان يخطط لتنفيذ شبيه ذلك في الضفة الغربية. كما شاع في حينه أن إيهود أولمرت حاول
تنفيذ خطة فصل في الضفة الغربية لكنه آثر عرض خطة «بعيدة المدى» لحل شامل على
الرئيس الفلسطيني محمود عباس. واختلف محللون حول ما إذا كانت خطة أولمرت صادقة أم
أنها مجرد لعبة لإظهار رفض السلطة الفلسطينية للتسوية وتصلبها.
ويصعب جدا الحديث عن
أن نتنياهو قطع النهر وابتعد عن ماضيه وبات يؤمن بتسوية شاملة كأولمرت أو بانسحاب
من طرف واحد كأرييل شارون. من المؤكد أن تلعثم نتنياهو في خطاب بار إيلان وحديثه
عن دولتين لشعبين أشارا إلى احتمال أن يكون فهم الموضوع. لكن تفسير نتنياهو للدولة
الفلسطينية التي يتطلع إليها والتي ليست في القدس ولا في غور الأردن وخارج
المستوطنات ومنزوعة السلاح لا يؤكد أنه يتحدث عن الدولة نفسها التي يتحدث عنها
الفلسطينيون والعالم. والأهم أن نتنياهو يؤمن بأنه في ظل الواقع الإقليمي الراهن
لا يمكن لإسرائيل أن تركن إلى أية اتفاقيات مع العرب. وهذا يبين صعوبة أو ربما
استحالة اندفاع المفاوضات التي تجري بسرية بين السلطة وإسرائيل نحو تحقيق اختراق.
ومن الجهة الأخرى
هناك الدور الأميركي الذي يعلق عليه بعض المتفائلين أهمية كبيرة. ويشير هؤلاء إلى
أن استئناف الجهد الأميركي لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات ليس ثمرة غواية أو
طارئ وإنما يعبر عن ضجر الإدارة الأميركية والعالم من استمرار الصراع العربي
الإسرائيلي. ويعتقد هؤلاء أن أميركا لن تدع فرصة المفاوضات هذه تمر من دون أن
تحاول إنجاحها عن طريق التقدم بمشروع أميركي لحل الأزمة تفرضه على الطرفين. ومن
الملاحظ حتى الآن أن أحد مبررات الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات هو الرغبة في
عدم تحمل مسؤولية فشلها. لكن هذا التقدير ينطوي على نوع من الإجحاف. فالخوف من
مسؤولية الفشل قد يكون كبيرا لدى السلطة الفلسطينية التي كثيرا ما تلقت العتاب
والعقاب من أميركا ولكنه ليس كذلك لدى إسرائيل. ومعروف أن بنيامين نتنياهو خاض
معركة سياسية كبيرة ضد الرئيس باراك أوباما حتى داخل واشنطن. والمؤكد أنه حتى وإن
خسر رهانه على المرشح الجمهوري ميت رومني إلا انه كسب تسابق الجمهوريين
والديموقراطيين، بمن فيهم باراك أوباما، على إرضائه وتعميق التحالف مع إسرائيل.
ومن شبه المؤكد أن
هذا الكلام لا يعني استحالة التوصل إلى خطوات انتقالية ومرحلية قد تحول دون انفجار
الوضع الفلسطيني في وجه إسرائيل أو حتى دون اندفاع الفلسطينيين للبحث عن حلول لدى
المؤسسات الدولية. فقد يتفق الطرفان في ظل الأوضاع المتفجرة في المنطقة على سبل
جديدة لإدارة النزاع. وقد يقبل الطرف الفلسطيني والإسرائيلي، رغم رفض الأخير لذلك
حتى الآن، بحل مرحلي يسهل إعلان دولة فلسطينية ولكن في حدود موقتة.
وفي كل الأحوال، ومن
جولات المفاوضات التي جرت في واشنطن والقدس حتى الآن يمكن ملاحظة نجاح الوسيط
الأميركي في ردع الطرفين عن التسريب. فحتى الآن لا أحد يعلم فعلا أين جرت
المفاوضات بالضبط وما الذي تمت مناقشته فيها. فالوسيط الأميركي نصب نفسه متحدثا
باسم الطرفين ما يعني إسكاتهما إما للشهور الباقية أو انفجار صراخ أحدهما أو
طرفيهما ووقف المفاوضات خلال تلك الفترة. ربما لن يسمع الناس عن العملية السياسية
إلا بمقدار ما يسمعون عن الإفراج عن دفعات الأسرى مرة كل شهرين.
السفير،
بيروت، 19/8/2013