القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

مفاوضات بلا طائل

مفاوضات بلا طائل

د. عبد المجيد سويلم

التقيتُ شخصياً مع مجموعة من القيادات الفلسطينية بمن فيهم أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتقينا قبل ذلك (مجموعة من الإعلاميين والكتّاب) سيادة الرئيس نفسه، وانتقلنا بين معظم النشاطات والندوات والمناقشات التي تدور حول المفاوضات القادمة فخرجت بالآتي:

أولاً: لا يوجد أي التزام إسرائيلي بأي شيء يُذكر، أو على أي درجة من الأهمية حول قضية الاستيطان أو حول حدود الرابع من حزيران، وكل ما يُقال حول هاتين المسألتين بالذات هو مجرّد "أوهام" فلسطينية إن وُجدت.

ثانياً: لا يوجد أي التزام أميركي بحدود العام 67 وإنما هناك ما يمكن اعتباره "موافقة" أميركية على أن تكون حدود العام 67 (أساسا) للحدود بعد أن يتم "التوافق" على الترتيبات الأمنية والترتيبات التي تتعلق "بالحقائق السكانية".

ثالثاً: موضوع القدس مؤجّل إلى ما بعد "حسم" الحدود والأمن والأصحّ القول الأمن والحدود وسآتي على ذلك.

رابعاً: قضايا الحل النهائي على ما يبدو خاضعة بعد كل ذلك لقضيتي الأمن والحدود وهذا الأمر غير معلن رسمياً حتى الآن، كما أن أميركا وإسرائيل تبحثان ذلك دون إشراك أحد أو معرفته.

خامساً: إسرائيل تعتبر أن الأمن يتقدم على الحدود. أي بمعنى أن الاتفاق على الترتيبات الأمنية والتي ستكون في النهاية تجسيداً للاحتياجات الأمنية هو الذي بموجبه، وبموجبه فقط يتم رسم الحدود.

أي خلافاً لكل منطق ولكلّ عُرف ولكل قانون دولي فإن إسرائيل ستوافق على "دولة" فلسطينية منزوع منها القدس الشرقية، ومنتزع منها مناطق استراتيجية في الغور، إضافة إلى "الكتل" الكبرى، وحيث لا يعرف أحد بالضبط ما هي هذه الكتل الكبرى، من حيث العدد والمساحة والحدود والمجال. كما أن إسرائيل تطالب ببقائها في معظم "التلال" العالية المطلّة على امتداد الضفة، وخصوصاً المطلة على "الخط الأخضر"، وكذلك المطلّة على الحدود الشرقية "للدولة".

كما أن إسرائيل تريد توسيع المناطق العازلة على طول "الخط الأخضر" بحيث يصبح جدار الفصل العنصري هو الحدود "الطبيعية" بما يشبه الأمر الواقع أو التحصيل الحاصل.

إضافة إلى كل ذلك فإن إسرائيل تطالب أن يكون التواصل بين المناطق الفلسطينية المتناثرة التي تتبقّى بعد كل هذه الاقتطاعات حسب الظروف. إذ يمكن أن تكون عَبر الأنفاق أو الجسور أو أية أشكالٍ أخرى.

وطبعاً فإن "قطع" الدولة هذه يجب أن تكون منزوعة السلاح وبلا سيطرة على أجوائها ومحدودة الصلاحيات على "حدودها".

كل هذا الذي أوردته لكم حول مفهوم الأمن والحدود، وحول مضمون هذا الأمن من حيث الترتيبات والاحتياجات الإسرائيلية هو ما سمعته مباشرة من الأستاذ ياسر عبد ربّه والذي لا يمكن اتّهامه بالتشدُّد أو التطرُّف، والذي يعتبر واحداً من أكثر الشخصيات الفلسطينية معرفةً بالتفكير الإسرائيلي وهو على اضطلاع ومعرفة ودراية معروفة بهذه الشؤون، إضافة إلى كونه أحد أكثر الشخصيات الفلسطينية اعتدالاً ومرونةً وعقلانيةً بعلم ومعرفة الجميع.

سادساً: الموقف الأميركي حيال هذا كله غامض حتى لا نقول إنه مشابه للموقف الإسرائيلي، وعلى العموم إذا كان للإدارة الأميركية من مواقف "مختلفة" فهي مواقف مختلفة في التفاصيل الجانبية وليس في المضمون الرئيسي.

كل ما هو معروض علينا حتى تاريخه هو الإفراج المشروط والمرتبط زمنياً بحدود أقصاها تسعة أشهر عن 104 من المناضلين الفلسطينيين، وبحيث يرتبط الإفراج عن مناضلي الداخل والقدس بمدى (التقدم) الذي ستحرزه المفاوضات، علماً بأن هذا الإفراج كان مسألة متفقا عليها قبل ذلك وقبل هذه المرحلة كلها.

أما الحديث عن التنمية والمشاريع في منطقة "C" فهي مسألة غامضة، أيضاً، وليست محددة وهي بكل تأكيد مربوطة موضوعياً بالتقدم المطلوب في المفاوضات.

إذن نحن ذاهبون إلى مفاوضات لا طائل منها ولا يمكن المراهنة على تحوّلها إلى مفاوضات جادّة أو منصفة أو متوازنة، وإنما هي بكل بساطة مفاوضات لدرء تحمل مسؤولية إفشال المحاولات الأميركية لإعادة إطلاقها ليس أكثر.

إذا كنا سنتمسّك بالثوابت التي هي بالأساس إقامة الدولة الوطنية المستقلة على كل حدود الرابع من حزيران بما في ذلك القدس الشرقية، وإذا كنا سنتمسك بالمحدِّدات الدقيقة لما يُسمى بالتبادل (في حالة أن تم الاتفاق أولاً على الحدود، فإن المفاوضات ستنتهي بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. وكل ما سيلي ذلك هو "مطمطة" فارغة لا مجال للمراهنة عليها ولا حتى اعتبارها مفاوضات من حيث الجوهر والمبدأ. وكل ما يمكن المراهنة عليه (لاحظوا ذلك أرجوكم) هو إطالة عمر هذه المفاوضات بهدف الحصول على المساعدات الاقتصادية وتحرير ما يمكن تحريره من المناضلين الفلسطينيين. أما إذا "أبدينا" استعدادات "جديدة" للنظر في حلول "مبتكرة" وعلى الطريقة الأميركية "للابتكار" فإن أقصى ما سينتج عن هذه المفاوضات هو "دولة مؤقتة" محاطة بكل أنواع القيود، لكنها دائمة من حيث الواقع وما يحيط بهذا الواقع من وقائع ستتحوّل إلى وقائع "ثابتة" ستؤدي إلى تأبيد المؤقت وتحويله إلى دائم وثابت ومستقر يستحيل تجاوزه أو حتى مجرد التفكير بتغييره.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء كل ذلك: هل نحن أمام انحناءة سياسية عارضة لتجاوز "العاصفة" أم نحن أمام استعداد للتعاطي مع المفاهيم الإسرائيلية للتسوية وللسلام معاً.

بمعنى آخر: هل ندخل هذه المفاوضات ونحن نعي ونعرف ما نريد أم أننا ندخلها ونحن على استعداد ما لاختبار ما يمكن أن يتغيّر في سياقها من مواقف أميركية وإسرائيلية قابلة للمناقشة؟

ما لمسته من خلال اللقاءات التي أشرنا إليها، وما أعتقده من خلال كامل التجربة السابقة للمفاوضات، فإننا لسنا بصدد مفاوضات يمكن المراهنة عليها أو تعليق أية آمال عليها، وإنما نحن أمام "استخدام" فسحة المفاوضات لدرء "مفاسد" اللحظة السياسية وبما يوفر لنا فرصا جديدة لتمكين أوضاعنا الداخلية بما يعزز من قدرتنا على البقاء والصمود إلى أن تتوفر الظروف التاريخية المواتية لتسوية تاريخية متوازنة نسبياً.

وبالمناسبة وبما أن الجانب الإسرائيلي يبدأ هذه المفاوضات من الصفر عملياً، وبما أن الإدارة الأميركية تبحث عن حلول مبتكرة وغير تقليدية فإن المجال سيكون على ما يبدو "متاحاً" لدمج موضوع الدولة باللاجئين بالدولة اليهودية وبالقدس وغيرها وهو بالمناسبة قرار التقسيم.

أنا شخصياً سأكتب عن هذا الشأن بالذات لكي أحاول أن أُبيّن أن الحلول المبتكرة ممكنة طالما أن إسرائيل ترى أن هذه المفاوضات مفتوحة، وطالما ترى أنها تبدأ من الصفر.

الأيام، رام الله، 1/8/2013