د. أحمد الحيلة
بدأت أحداث عين الحلوة
بقيام المدعو محمد زبيدات الملقّب بالصومالي، والمحسوب هو وعائلته على حركة "فتح”
والأمن الوطني الفلسطيني، بإطلاق الرصاص في السوق يوم السبت الماضي 29-7، فقُتل
محمد الصدّيق فرهود المحسوب على الشباب المسلم وجُرح آخرون بينهم أطفال.
ظهر الأحد 30-7 اغتيل
العميد في الأمن الوطني الفلسطيني أبو أشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه في مخيم
عين الحلوة في منطقة تسيطر عليها حركة فتح بشكل كبير. وفي هذا السياق اتهمت حركة
فتح في البداية عصبة الأنصار بالمسؤولية عن حادثة الاغتيال. وبعد نفي العصبة
مسؤوليتها عن ذلك، تحوّل الاتهام إلى الشباب المسلم الذي نفى بدوره مسؤوليته عن
اغتيال العميد العرموشي.
بين الحادثة الأولى
والثانية وما بعدهما كان مخيم عين الحلوة مسرحاً لإطلاق النار والاشتباك بالأسلحة
الخفيفة والمتوسطة، ما أدّى إلى سقوط نحو 12 قتيلاً (9 ينتمون لحركة فتح ومنهم
العميد العرموشي، وواحد من عصبة الأنصار، وواحد من الشباب المسلم، وثالث مدني)
بالإضافة إلى نحو 50 جريحاً حتى الأول من آب/ أغسطس الجاري، مع نزوح نحو ثلاثة
آلاف لاجئ فلسطيني، داخل المخيم إلى مدينة صيدا.
أمام هذه الوقائع لا
بد من التوقّف عند بعض النقاط المهمة في هذا السياق، في محاولة لاستكشاف خلفيات
وأهداف الأحداث في عين الحلوة، وذلك على النحو الآتي:
أولاً ـ أن الذي افتتح
المشهد الدامي الحالي، هو شخص محسوب هو وعائلته على حركة فتح والأمن الوطني
الفلسطيني، بإطلاقه النار في السوق فقَتَل أحد الأشخاص المحسوبين على الشباب
المسلم وأصاب عدداً من الأطفال.
ثانياً ـ أن العميد
العرموشي قُتل ومرافقوه الأربعة في مربع/حي تسيطر عليه حركة فتح بشكل كبير، وتم
اغتياله بطريقة وصفت بالاحترافية، ما يضع علامة استفهام على طبيعة الجهة المنفّذة
والتي يبدو أنها تتمتع بقدرات أمنية وفنية عالية، مع الإشارة إلى أنه لم يثبت لحد
اللحظة من هي الجهة المسؤولة، وهو ما أكّده أمين سر حركة فتح في لبنان، فتحي أبو
العردات، بقوله: "لدينا خيوط في جريمة الاغتيال، ولا أريد أن أستبق لجنة التحقيق”.
ثالثاً ـ تم التوافق
في هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك (إطار يجمع الفصائل الفلسطينية في لبنان)
على وقف إطلاق النار وتشكيل لجنة تحقيق يوم الأحد 30-7، ولكن مجموعات مسلحة في
حركة فتح لم تلتزم بالاتفاق، فكان هناك اتفاق آخر بين الفصائل الفلسطينية يوم
الاثنين 31-7 برعاية النائب الصيداوي أسامة سعد بوقف إطلاق النار وتشكيل لجنة
تحقيق، ولكن مجموعات مسلحة في حركة فتح لم تلتزم به أيضاً، واستمرت الاشتباكات رغم
تراجع حدّتها بشكل عام، ما دفع أمين سر حركة فتح في لبنان فتحي أبو العردات للقول
بأنه "بعد استشهاد العميد العرموشي كانت هناك صعوبة في ضبط الوضع”.
رابعاً ـ قُتل أحد
عناصر عصبة الأنصار (إطار إسلامي) أثناء الاشتباكات في المخيم، الأمر الذي كاد أن
يوسّع دائرة الاشتباك لولا أن العُصبة التزمت الهدوء، واستجابت لأصوات دعتها
لتفويت الفرصة على المتربّصين بالمخيم، وهذا يعني أن الطرف المحرّك لمسلحي حركة
فتح والأمن الوطني، كان يهدف إلى توسيع دائرة الاشتباك مع أطر إسلامية أخرى غير
الشاب المسلم، لجعل الحركات الإسلامية (جهادية/مقاومة) طرفاً في الأزمة والحدث.
خامساً ـ توسّعت دائرة
الأضرار إلى المناطق اللبنانية المحيطة بمخيم عين الحلوة، وجُرح عدد من اللبنانيين
نتيجة إطلاق القذائف والرصاص من المخيم، كما أن مدينة صيدا عانت من شلل شبه كامل
في الحياة والمرافق والطرق، أي أن الوَسَط اللبناني وقع ضحية الاشتباكات في مخيم
عين الحلوة، في وقت تصرّ فيه مجموعات مسلحة من حركة فتح على الاستمرار في إطلاق
النار، وعدم الاستجابة لكافة الوساطات والاتفاقات التي تعدّ حركة فتح جزءاً منها.
تلك الملاحظات السريعة
تشير إلى أن هناك تياراً داخل حركة "فتح” والأمن الوطني الفلسطيني معني بالتصعيد
وتوسيع دائرة الاشتباك المسلح انطلاقاً من عين الحلوة، ما يخلق أزمة داخل لبنان
عنوانها السلاح الفلسطيني، وهذا يدفع إلى القول، لا سيّما في الأوساط اللبنانية،
بأن هذا السلاح بات يُشكّل تهديداً للبنان وللمدنيين اللبنانيين والفلسطينيين على
حد سواء، أي بمعنى تحويل السلاح الفلسطيني من عنوان وطني في مواجهة الاحتلال إلى
عنوان أزمة أمنية داخل لبنان لا بد من إعادة النظر فيه والتخلّص منه، وهذا بالضبط
ما أراده رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج عندما زار بيروت والتقى جهات
رسمية لبنانية في 24-7، ودعاها إلى ضرورة سحب وإنهاء السلاح الفلسطيني داخل
المخيمات وخارجها باستثناء سلاح الأمن الوطني التابع للسلطة الفلسطينية.
ومعنى ذلك؛ أن ماجد
فرج جاء لتنفيذ أجندة محدّدة، تسعى لتقويض وجود حركات المقاومة الفلسطينية في
لبنان ولا سيّما حركتي؛ الجهاد الإسلامي، و”حماس” التي حمّلها الاحتلال المسؤولية
عن إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان إلى شمال فلسطين في السادس من نيسان /
إبريل الماضي دفاعاً عن القدس والأقصى، كما تحمل أجندته رسالة موجهة إلى حزب الله
اللبناني الذي يضطلع بدور داعم للمقاومة الفلسطينية وحتى الدولة اللبنانية التي
لها مواقف مشرّفة من القضية الفلسطينية، مفادها بأن لبنان ليس بعيداً عن الاستهداف
بشكل أو بآخر، وهذا ما يفسّر اتهام رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي
لجهات خارجية عندما قال "توقيت الاشتباكات في الظرف الإقليمي والدولي الراهن
مشبوه، ويندرج في سياق المحاولات المتكررة لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية
الحسابات الخارجية”.
وليس هناك أهم من
الاحتلال الإسرائيلي كجهة تسعى لاستهداف الوجود الفلسطيني في الداخل والخارج الذي
بات حضوره يزداد في معادلة المقاومة ضد الاحتلال في فلسطين، فجاءت أحداث عين
الحلوة متزامنة مع استمرار اعتقال أجهزة أمن السلطة الفلسطينية للنشطاء والمقاومين
في الضفة الغربية بعد اجتياح الاحتلال لمخيم جنين وفشله في القضاء على المقاومة،
وفي وقتٍ يصرّ فيه الرئيس محمود عباس على استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال،
ويرفض فيه المقاومة المسلحة كما يرفض الإفراج عن المعتقلين السياسيين وذلك كما جاء
في مخرجات لقاء الأمناء العامين في القاهرة في الثلاثين من تموز/ يوليو الفائت
لتكتمل الصورة بين القاهرة ورام الله وبيروت.