القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

من أيار لحزيران.. من نكبة إلى نكسة..؟!

من أيار لحزيران.. من نكبة إلى نكسة..؟!

نمر الزناتي

لم يقف الوعد البلفوري عند حد إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين – أو موطن قومي (home land) كما أراد فهمه وفسّره بعضنا - بما لا يؤثرعلى حقوق سكانها المدنية والدينية كما تعهّد صاحب الوعد واشترط في متن وعده كما لو أن ما بيننا وبين الصهيونية صراع قانوني - بل تعداه إلى طرد سكانها وتشريدهم في أصقاع الأرض في عملية تطهيرعرقي دموية مستمرة لم تتوقف في أي لحظة وحتى كتابة هذه السطور، إلاّ لالتقاط الأنفاس وإعادة النظر في الوسائل واختلاق الأعذار وخلق الظروف والمبرّرات لِتُستأنف وتستمرّ بأساليب جديدة وبقوّة وإصرار ووحشيّة، لتحقيق هدف واحد وحيد هو خلق إسرائيل الكبرى تمهيداً لتحقيق حلم الصهيونية الأكبر في قيام إمبراطورية «ما بين النهرين ؟اليهودية بعاصمتها القدس لتكون مركز العالم منه تنشر «أخلاقها ومثُلها الصهيونية»، وتبسط هيمنتها الإمبراطورية وسيطرتها على العالم العربي وظهيره الإسلامي، وتتعداهما إلى ما هو أبعد وأعمق.

وما رأيناه وعشناه وما نزال نراه ونعيشه من سيطرة اليهود على مقدّرات دول كبرى وتحكّمهم في مفاصل القرار فيها لا يحتاج إلى دليل، وشاهدُنا النزال (show down) الذي جرى قبل أكثر من عام، والذي يجري اليوم في البيت الأبيض بين أوباما رئيس أقوى دولة في العالم – جوليات – وبين نتنياهو - داوود- وكيف انتهت المنازلة الأولى بانتصار نتنياهو وهزيمة أوباما. والحال أن نتيجة المنازلة الأخيرة هذه لا نعتقد أنها ستختلف عن سابقتها؟؟.

كان نتنياهو بالغ الصفاقة والوقاحة وقلّة الحياء إلى درجةٍ لا تًطاق مع مضيفه أوباما الذي كان بادي الامتعاض حد القهر يكاد وهو يضغط على أعصابه أن ينفجر من وقاحة ذلك العنصري المتعجرف الجَحَود ناكر الجميل الذي لم يجد من يربّيه ويردعه ويصفعه فتاه وعربدَ وتمرّد.

وإذا كان فينا اليوم مَن لا يصدّق هذه الرؤية الاستشرافية و يستبعد قيامها، ويحسبها في عداد المستحيلات فجوابنا : أن ابعد الأشياء عن التصديق هو أقربها للتحقيق. وأمامنا التاريخ.

لم يكن آباؤنا وأجدادنا ليصدّقوا أو يتصوّروا أن إنشاء بضع «مستعمرات» يهودية في بحر من مئات القرى والبلدات والمدن الفلسطينية العربية ليشكّل أي خطر، فضلاً عن أن يتصوّروا قيام (دولة)؟ فذلك رابع المستحيلات؟ بل كان البعض يرى في إنشاء تلك المستعمرات أبعاداً اقتصادية إيجابية وأبواباً من أبواب الرزق تنفتح للشغل، ينتفع منها الناس ويستفيدون من اليهود وهم البارعون أصحاب المال والخبرة.

حتى الطبقة المثقفة والمستنيرة من قادة الرأي والفكر والسياسة في تلك الأيام لم يخطر ببالها شيء من ذلك.. حتى إن الأمير شكيب أرسلان وهو أحد رموز تلك الأيام ومن هؤلاء المستنيرين مالئي عصرهم شهرة وحضوراً كتب مقالة في نيسان 1899 بجريدة الأهرام (حول سكنى اليهود في فلسطين) لم ير فيها غضاضة في قيام تلك المستعمرات اليهودية إلى جانب وبجوار مئات القرى الفلسطينية... ففيها – كما رأى - الفائدة لخزانة الدولة العليّة ولسكان القرى والبلدات العرب الفلسطينيين يكسبون الخبرات ويتعلمون من اليهود أصحاب المهارات.

لقد انتهت قضية فلسطين إلى ما انتهت إليه نتيجة عوامل ومعادلات موضوعية، دولية وعربية ومحلية، هيّأت للحركة الصهيونية سبل التجّذر والنجاح، وعلى رأسها فشل قيادات الشعب الفلسطيني التاريخية – لنقص الخبرة - في قراءة وإدراك حجم الخطر الصهيوني وفي تقدير أبعاده وقدراته وتغلغله في مراكز قرار القوى الكبرى وتأثيره فيها. فلم تتصرّف على هذا الأساس في قيادة وتنظيم الشعب الفلسطيني وتهيئته لمواجهة ومقاومة الجرثومة الصهيونية... بل استهزأت واستخفت تلك القيادات باليهود (أولاد الميّتة)؟؟

بالرغم من إدراك بعص الشخصيات الفلسطينية المستنيرة في تلك الأيام حجمَ الخطر الصهيوني وإحساسها به منذ البداية إلا أن القيادة التاريخية للشعب الفلسطيني همّشتها وأقصتها نتيجة حسابات صغيرة كانت تشكل لديها أولوية قصوى..فقد كانت «مشغولة» بالصراع على الزعامات وليس بالصراع مع العدو... وقد استنزف ذلك جهودها ووقتها...

السؤال الكارثي: في ضوء أحوال العرب والعالم اليوم، كيف نتعامل مع هكذا كيان عنصري منفلت متخشّب تقوده طغمة مجانين مهووسين بالقوّة المجردة لا ينتمون لا هم ولا كيانهم لا إلى هذه المنطقة ولا حتى للعالم المُبتَلَى بهم؟؟

المصدر: جريدة الرأي الأردنية 22/5/2011