من المسؤول عن تراجع خدمات الأونروا
بقلم: د.عصام عدوان *
التوجهات الدولية الرامية – تحت تأثير الضغط
الصهيوني – إلى تصفية قضية اللاجئين، عبر إنهاء الأونروا أولاً، ثم صمت منظمة التحرير
الفلسطينية والدول العربية المضيفة للاجئين تجاه هذه التوجهات الدولية، يدفع الأونروا
إلى المُضي قُدُماً وبلا تردد نحو تقليص خدماتها على طريق إنهائها.
التوجهات الدولية يتم تمريرها عبر كبار
موظفي الأونروا، الذين ارتضوا أن يقوموا بمهمة تمرير هذه المخططات المجحفة بحقوق اللاجئين
الفلسطينيين، متطلعين لتعزيز مكانتهم الوظيفية مع الأمم المتحدة، أملاً في الحصول على
مراتب وظيفية سامية بعد انتهاء خدمتهم في الأونروا، وهي خدمة مؤقت بكل حال. وتورّط
بعض كبار الموظفين العرب في الأونروا في تمرير هذه السياسات أو التهيئة لها، وعدم الوقوف
في وجه الموظفين الدوليين القائمين عليها.
هناك مجموعة من القرائن تشير إلى مسئولية
مفوض عام الأونروا الشخصية والمباشرة عن خطوات التقليص وتراجع الخدمات، دون المساس
بمسئولية نوابه ومستشاريه ومدرائه الأجانب والعرب، لكنه يتحمل المسئولية الأولى، ومن
ذلك:
1- رَفَعَ إلى الأمين العام للأمم المتحدة
رسالة في مايو 2015م أخبره فيها عن عجز الميزانية، الأمر الذي سيضطره إلى اتخاذ إجراءات
تقشفية قاسية، منها: زيادة أعداد الطلاب في الصفوف المدرسية، ووقف التشغيل في كل مناطق
العمليات.
2- أثناء المفاوضات التي تمت مع المفوض
العام لثنيه عن تلك الإجراءات التقشفية، أصرّ شخصياً على جعل متوسط عدد الطلاب في الصف
أكثر من 41 طالباً بدلاً من 35 طالبا للصف.
3- وبسبب غضب الشارع الفلسطيني، واحتجاج
موظفي الأونروا، اضطر المفوض العام لإظهار بعض التراجع الظاهري، بعد أن نجح في رفع
متوسط عدد الطلاب في الصفوف إلى أقل من 39.5، لكنه جمّد قرارته بشأن ادعائه الحق في
تسريح أي موظف يرى الاستغناء عنه أو منحه إجازة بدون راتب، كما استمر في وقف التوظيف.
4- بعد مضي عام على تلك الوقائع، عاد ليوجِّه
تعليماته لرفع عدد الطلاب إلى 50 +1 ، وقد أفصح مدير عمليات الوكالة في الضفة الغربية
(أندرسون) عن ذلك في أكتوبر 2016م إذ أشار إلى أن تعليمات عليا جاءته بضرورة زيادة
الطلاب في الصف إلى 50 +1 لكنه لم يفعل حتى الآن. ومن المعروف أن المسئول المباشر عن
مدراء مناطق العمليات هو المفوض العام مباشرة.
5- أعلنت إدارة الأونروا عن عزمها فصل قطاع
الصحة عن سائر الخدمات بدءاً من مطلع العام القادم، وعند سؤال مدير عمليات الوكالة
في غزة (بوشاك) عن صاحب المقترح، أشار إلى الإدارة العليا للوكالة، وهذا يعني لنا
(بيير كرهينبول) المفوض العام.
6- وفي الأزمة الأخيرة تمكن اتحاد موظفي
الوكالة من التوصل إلى بعض التفاهمات مع مدير عمليات الوكالة في غزة، إلى أن أرسل المفوض
العام نائبته (ساندرا ميتشل) الأمريكية إلى غزة، حيث نسفت كل التفاهمات السابقة. وهي
تتحمل جزءاً كبيراً من مسئولية هذه التراجعات إلى جانب المفوَّض.
7- وعند اشتداد أزمة العلاج للاجئين في
لبنان، تصلَّب المفوض العام عند موقفه، الأمر الذي أدى إلى تغيير مدير عمليات الوكالة
في لبنان، بينما بقي المفوض يدير الأزمات.
8- المسئول المباشر عن التواصل مع المانحين
الدوليين للأونروا هو المفوض العام، وكل مًن يكلِّفه المفوض بهذه المهمة، وبالتالي
فإن الفشل في توفير الميزانية الكافية لخدمات الأونروا هو المفوض العام. ولا يجوز للمفوض
أن يستمر في تعليق مسئولية تراجع الخدمات على العجز في الميزانية، تلك التي لم يتحرك
بقوة لتوفيرها.
9- لم يتمكن المفوَّض العام من وقف مسلسل
التقليص في الخدمات المقدَّمة للاجئين، أو زيادة أعداد الموظفين وخلق فرص العمل للبطالة
الرهيبة التي يعانيها اللاجئون، أو تحسُّس معاناة الناس والمسح على جراحهم، سواء في
سورية أو غزة. وهو لم يستطع ثني الدول المانحة عن تراجع مساعداتها، او حتى التهديد
بالاستقالة في حال استمر الوضع على حاله، كي لا يتحمل مسئولية هذه الجريمة الإنسانية.
وعليه؛ فإن كل أزمات الأونروا وتراجع خدماتها
في مناطق عملياتها الخمس، إنما مردُّه إلى سياسة المفوض العام بيير كرهينبول، الهادفة
إلى تنفيذ المخططات الدولية ابتغاء تعزيز مكانته دولياً. وهي مسئولية تطال نوابه ومساعديه
ومدرائه؛ كلٌ على قدر مسئولياته المنوطة به. كما تطال بدرجات متفاوتة، كل ذي مسئولية،
بدءاً بالأمم المتحدة وأمينها العام، والدول المانحة، والدول العربية المضيفة للاجئين،
ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وصولاً إلى الفصائل الفلسطينية، وحتى
اللاجئ نفسه الصامت تجاه حقوقه.
* أستاذ القضية الفلسطينية جامعة القدس
المفتوحة