من يَدفع الثمن؟
بقلم: حسام شاكر
«دفع الثمن» هو عنوان الموجة الجديدة، وفي تفاصيلها هجماتٌ تخريبية، وحملاتُ ترويع، وتدنيسٌ للمساجد والكنائس والمقابر. أمّا الفاعلون فهم نبتُ الاستيطان، وتلاميذُ الفكر العنصري. هم المشبّعون بالخرافة والأوفياء للأساطير المؤسِّسة للاحتلال ودولته.
يخرجون على النصّ، ويتجاوزون التعليمات، لأنّ التخريب والترويع والتدنيس مهمّة موكولة للمؤسّسة وجيشها وجماعات الاستيطان المرئيّة أساساً؛ وليس لمليشيا تتشكّل بذاتها وتحدِّد أولويّاتها. ورسالة «النقد الذاتي» لهؤلاء مفادها: «ليست مهمّتكم؛ بل مهمّة جيشنا وقوّاتنا التي تقوم بدورها بلا هوادة، إنّها مهمّة مؤسّساتنا التي تُفَصِّل القوانين وتنسج الإجراءات، لمباشرة العدوان على الإنسان وابتلاع أرضه».
ولأنهم يقترفون جرائمهم دون جهاز للعلاقات العامة يتولّى التضليل أو متحدِّثين متخصصين بنسج الأكاذيب؛ فإنهم يفضحون الاحتلال كلّ يوم. هم النسخة الإسرائيلية من اليمين المتطرِّف وحليقي الرؤوس، إذ يتماهون مع خبرات النازيين الجدد في أوروبا، ويتجاوزونهم بسلاح يحملونه ليلاً ونهاراً وبجيش يدعمهم ويحميهم، وبساسة أغدقوا عليهم الأُعطيات تحت بنود التوسّع الاستيطاني.
جماعة «دفع الثمن» هي عنوان آخر على الأمر الواقع الاحتلالي، وهي فرصة للمحتلِّين كي ينظروا في مرآة حاضرهم ومستقبلهم. إنها إشارة إضافية على أنّ المشروع يتقوّض ذاتياً، وأنّ ارتداداته الداخلية تخرج عن السيطرة. فمن يزرع الاحتلال يدفع الثمن؛ ومن يستنبت الاستيطان يحصد الأورام التي تتمدّد في الأحشاء، حتى يبلغ الأمر أن يتقلّد مستوطن فظّ وزارة الخارجية مثلاً.
لا يرى هؤلاء خطوطاً حمراء، كما لا يعترفون بالخطّ الأخضر. فلم يفقهوا أنّ التفويض العملي الممنوح لهم يتركّز على التعدِّي على القرى المحيطة بالمستوطنات، والتنكيل بقاطنيها على مرأى من جيش الاحتلال، دون توسيع التجربة بشكل غير محسوب أو الإسراف في قائمة الأهداف. والواقع أنّهم يفهمون الاحتلال كما هو، برقعته الكاملة؛ لا المجتزأة، فيسجِّلون حضورَهم في ربوع البلاد، وليس في قرى الضفة وحدها. كما أنّهم يفهمون الاحتلال كما هو، بدون رتوش أو علاقات عامّة. فهم أنفسهم جنود في جيش الاحتلال، أو أبناء وأحفاد لجنود وضباط مارسوا الفظائع ذاتها، لكن بالبزّة العسكرية.
إنه مشروع الاحتلال وهو يدفع الثمن. جازف قادتُه ابتداءً بالحديث عن «احتلال نظيف»، قبل أن يكتشفوا أنّ آلة القتل تعود إلى البيت مع حاملها، لتفرض على مجتمع الاحتلال نمطاً كريهاً من العيش، قد يطيح يوماً برأس الحكومة إذا ما طاب لأحدهم ذلك. تتفاقم المعضلة مع تواصل العسكرة وتعاظُم الاستيطان. وفي أوّل الأمر وآخره أنّها لم تكن دولة طبيعية، ولن يتأتّى لها ذلك.
هي موجة جديدة، سبقتها موجات من التجارب والمحاولات، برزت فيها أسماء ممتدّة من أجيال جابوتنسكي وبيغن، وكاهانا وغولدشتاين، إلى صبية محشوّة رؤوسهم بعقيدة العنف وجيوبهم بالرصاص القاتل. هم المُعبِّرون الجدد عن «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط»، التي يجدر بـ»أصدقاء إسرائيل» في الغرب أن يجرِّبوا متعتها، في ضيافة «كريات أربع» و»مغرون» ومع من يسمّون أنفسهم «شباب التلال».
المصدر: مجلة العودة العدد الـ54