من يمنع الانتفاضة الثالثة؟!
بقلم: يوسف رزقة
كانت الانتفاضة الأولى ردا فلسطينيا شعبيا على مقتل بعض عمال
غزة دهسا متعمدا بدم بارد. وكانت الانتفاضة الثانية ردا شعبيا على تدنيس شارون للمسجد
الأقصى المبارك. عرفت الانتفاضة الأولى بانتفاضة الحجارة، وعرفت الثانية بانتفاضة الأقصى،
وكان العمل الفدائي العسكري هو الأبرز في انتفاضة الأقصى، وكانت الحجارة هي العلامة
الأوضح في الانتفاضة الأولى.
الانتفاضة عمل شعبي جماهيري يلقى إسنادا وتوجيها عادة من
قادة فصائل العمل الوطني والإسلامي، وأحيانا يلقى تفهما أو تشجيعا من قيادة السلطة
كما فعل ياسر عرفات مع انتفاضة الأقصى في المرحلة الأولى. ثمة أهمية كبيرة للإسناد
الفصائلي، وللتشجيع الرسمي، لنجاح الانتفاضة وانتشارها وامتدادها في المحافظات، والمدن
والقرى ومعسكرات اللاجئين. لقد نجحت الأولى لعدم وجود السلطة ، ونجحت الثانية لأن ياسر
عرفات غض النظر عنها ودعمها.
بسبب هذا الإسناد والتشجيع نجحت الانتفاضة الأولى والثانية
في تحقيق بعض أهدافها، حيث انتشرت انتفاضة الأقصى في كل مساحات الأرض الفلسطينية المحتلة
في عام ١٩٦٧م، بدون استثناء، وشعر جيش الاحتلال بأنه لا مقام له في غزة، فحمل عصاه
ورحل عنها فيما عرف بخطة إعادة الانتشار، ولكنه في الوجه الآخر أعاد احتلال الضفة الغربية.
اليوم يتحدث المجتمع الفلسطيني، وكذا المراقبون المهتمون
بالشأن الفلسطيني عن انتفاضة ثالثة، هم يرون أن الظروف الموضوعية التي صاحبت جريمة
إحراق الرضيع علي دوابشة وردود الفعل عليها توفر فرصة جيدة لتفجير انتفاضة ثالثة ضد
الاحتلال والمستوطنين، وضد الإرهاب اليهودي، والتطرف التوراتي اليميني، ولكن هذه الظروف
الموضوعية التي تستوجب الانفجار الثالث لا تنتظر نجاحا بسبب الموقف السلبي لرئيس السلطة،
وقادة الأجهزة الأمنية، الذين تلقوا معلومات واضحة من رئيس السلطة بمنع اندلاع انتفاضة
ثالثة، ووأد الأعمال الشعبية والفصائلية في مهدها قبل أن تتسع.
السلطة تمنع الانتفاضة الثالثة لسببين: أحدهما ذاتي ويتمثل
في تخوف السلطة من توجيه حماس والفصائل للانتفاضة لتكون ضد السلطة في جزء من أنشطتها،
ومن أن تستغل لنشر السلاح. والثاني ويتمثل في رفض إسرائيل للانتفاضة، وتهديدها للسلطة،
وتحميلها المسئولية عن التطورات اللاحقة، ومنها استيلاء حماس على الضفة.
خلاصة القول في هذه المسألة: إن رئيس السلطة ومن حوله هم
أول من يمنع تفجر انتفاضة ثالثة ضد المحتل الغاصب، وكانوا قد منعوها في ظروف موضوعية
أخرى، بعد حرق محمد أبو خضير حيا، ومنعوها مع العدوان الإسرائيلي الأخير في ٢٠١٤م على
غزة، ومنعوها مرات أخرى حين تفاقم العدوان على المسجد الأقصى وعلى المرابطين فيه.
المواطن الفلسطيني يطالب بانتفاضة شعبية ثالثة ضد الاحتلال
والاستيطان والعدوان بعد حرق الطفل علي دوابشة، ولكننا لا نتوقع ذلك، لأن السلطة وأجهزتها
الأمنية تنسق مع الاحتلال لمنع الانفجار الشعبي، ومواجهة المخططين لانتفاضة ثالثة،
لذا نجد السلطة وأجهزتها الأمنية تعمل في الهوامش، وتمارس العنترية الكلامية، بينما
هي تمنع التفاعل مع الانتفاضة على الأرض وفي الميدان.
الشعب الفلسطيني في حاجة لانتفاضة ثالثة بعد أن طفح الكيل،
وبلغ السيل الزبى، ولم يعد في القوس منزع، ولم يعد بمقدور السلطة منع الاستيطان، أو
القدرة على حماية الفلسطينيين من القتل والاغتيال والإحراق، وتهديد المسجد الأقصى بالتقسيم
والهدم.
المصدر: فلسطين أون لاين