مهرجان غزة في صيدا: ترددات
لإنتصارات لا تتوقف
بقلم: علي هويدي*
على مدى سنوات وجودها في لبنان
استطاعت حركة حماس أن تُنشئ جيلاً مثقفاً واعياً مدركاً لحجم المسؤولية والتحديات
في سياق الصراع مع الكيان الصهيوني، ليُثمر حضوراً شعبياً جماهيرياً نوعياً لم
يسبق له مثيل في لبنان في المدى المنظور؛ فقد تقاطرت الحشود من كل حدب وصوب ومن
كافة المخيمات والتجمعات والمدن والمناطق وبحضور لبناني لافت وبمشاركة فاعلة من
فلسطينيي سوريا على الرغم من حالة الضيم والقلق التي يعيشونها، فالبعض منهم آثر
الحضور على الرغم من مخاطر تعرضه للإعتقال بسبب إنتهاء صلاحية الإقامة، إلا أن
نداء إنتصار غزة ونداء الشعب الواحد الذي لا يتجزأ في أماكن اللجوء والشتات كان
كفيلاً بالتمثيل الكمي والنوعي.
هو مهرجان إنتصار غزة الحاشد الذي
دعت له حركة حماس يوم السابع من الجاري في الملعب البلدي لمدينة صيدا المقاومة،
تحت عنوان "شعب يصنع نصره". استطاع المهرجان أن يوصل أكثر من رسالة وفي
أكثر من اتجاه، ولعل أبرزها رسالة الحضور الشعبي الجماهيري للآلاف من مختلف الفئات
والشرائح العمرية من الأطفال والنساء والرجال وكبار السن وذوي الإحتياجات
الخاصة..، الجميع يريد أن يشارك عرس الإنتصار، ليوجه نداء الى كل من يحاول أن
يتخلى عن سلاح المقاومة، ولمن لا يزال يعتبر المفاوضات طريقاً وحيداً لإنتزاع
الحقوق، ليؤكد بأن انتصار غزة لم يكن فقط باستخدام السلاح والإبداع والإبتكار
وعناصر مباغتة العدو..، إنما كذلك والأهم بالإحتضان والدعم الشعبي للمقاومة،
وبالصبر والثبات على فقدان الأهل والولد والأرزاق، والإستعداد للتضحية بالغالي
والنفيس كي تبقى المقاومة والكرامة حتى دحر الاحتلال، ليطل رئيس المكتب السياسي
لحركة حماس خالد مشعل ليؤكد على أن لا مساومة على سلاح المقاومة، ويشيد بالحضور
ويهنئ المنظمين ويتحمل مسؤولية معاناة اللاجئين في لبنان، وليؤكد ممثل حماس في
لبنان علي بركة على سياسة الحركة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية وأن
ليس لدى اللاجئين في لبنان أي مشروع سوى العودة الى فلسطين، رافضاً أن تتحول
المخيمات إلى بؤر أمنية، ومعزياً باسم الحركة باستشهاد الجنود اللبنانيين الأمر
الذي لاقى إستحسانا وقبولاً ودعماً من كافة الأوساط اللبنانية والفلسطينية نظراً
لما يمر به لبنان من أزمات.
تكاد أصداء وترددات نجاح المهرجان لا
تتوقف والكلام يدور حول الإبداع في الأداء والتخطيط والتنظيم وتنوع الفقرات
والمضامين السياسية والإعلامية وحسن توزيع الأدوار، ومعها بدأت مرحلة جديدة من
مراحل الصراع مع العدو الصهيوني المحتل تحمل عنوان "فلسطينيو الخارج شركاء مع
فلسطينيي الداخل في معركة التحرير والعودة وإزالة الكيان". جاء المهرجان
ليكرس الثوابت الفلسطينية قولاً وعملاً، حضرت فلسطين بكل مكوناتها وبمختلف مشاربها
السياسية، لتلتف حول المقاومة بكل أشكالها وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة.
حضر المهرجان أكثر من 15 ألف شخص
يمثلون قطاعات مختلفة من المؤسسات الأهلية والعائلات بأجيالها الأربعة، وروابط
القرى والأحزاب والقوى الفلسطينية واللبنانية ولجان شعبية ولجان أهلية وشخصيات
علمائية ونخب وصناع قرار، إلا أن أضعاف هذا الحشد كان متابِعاً لتفاصيل المهرجان
من خلال القنوات الفضائية التي كانت تبث على الهواء مباشرة، والمتابع الأهم
لفعاليات المهرجان كانت غزة وبكل مكوناتها السياسية والإجتماعية والثقافية
والأدبية والفكرية والتربوية تستمد من المهرجان قوة الحق وحق امتلاك القوة لمقاومة
مشروعة لإحتلال غاشم، تراقب الإستعراضات التي تحاكي المقاومة المسلحة، لتتقدم
الأجيال الواعدة ببزتها العسكرية من الذكور والإناث بإشارة واضحة بأن المرحلة
القادمة تتطلب المزيد من الاستعداد وجهوزية الجميع، وليحضر المنشد المبدع عبد
الفتاح عوينات وفرق الإنشاد المتألقة "الوعد للفن الإسلامي" و"أمجاد
للفن والتراث" ليلهبوا مشاعر الجمهور على إيقاع أناشيد وطنية هادفة من وحي
الحدث.
المقدرة على ضبط هذا العدد الكبير
والمتنوع ليس بالأمر السهل، لكن المنظمون قدموا مدرسة من القدرة على التنظيم شهد
لها القاصي والداني تستأهل التوثيق والإسترشاد، إذ لم يسجل أي خرق لانسيابية تنظيم
المهرجان. سيسجل التاريخ بأن عرس إنتصار غزة في مدينة صيدا المقاومة، كان بارقة
أمل يتطلع من خلالها اللاجئون للعودة الى حيفا وعكا ويافا واللد وكافة القرى
والمدن الفلسطينية المحتلة، وليضع النقاط على الحروف بأن طريق تحرير فلسطين وتحقيق
الإنتصارات يكون فقط عبر طريق الشهداء والتضحيات، لا عن طريق التسويات والإملاءات؛
وصمود غزة ومهرجان الإنتصار خير دليل وأفضل برهان.
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني