نكهة فلسطين |
"كعك القدس غير"
بقلم: موسى
أزحمان
كعك القدس
غير..
جملة كانت
تتكرر على لسان كل زائر لنا. كنت اعتقد ان زوار المدينة لطيفون ويعرفون بعضهم،
يرددون نفس الجملة وكأنها (قص ولصق) دون ذكر المصدر. التصق بي هذا الشعور لأكثر من
اربعين عاما او اقل
القدس | قبل
اربع سنوات تعرضت للنكبة الثالثة، تم ترحيلي من القدس الى.. رام الله! ايه والله.
واصبحت لاجئاً، هناك تكررت عملية اللصق والقص، كلما سالني احدهم من اين انت؟ (
لهجتي كانت هويتي) كما في مدّ الهاء والياء في نهاية أي كلمة. "يوه ه ه
ه" ما اصغر كعكة رام الله، كعكة "الؤؤؤدس" ممدودة كتيراكثر.
في رام الله،
بحثت في سر اختلاف كعك القدس عن باقي كعك خلق الله، هل هي المياه المستخدمة في
الخليط؟ ام انها خلاطات العجين او تكون ألافران ؟ الهواء ام الرطوبة؟ الاسئلة
كثيرة والاجابات تحتاج لبحث علمي دقيق ومختبرات وانا لست أكاديمياً.
الطعم والرائحة
مرتبطان لا يمكن فصلهما، هذا ما اخبرني به أحد العارفين بالمطبخ العربي.
لنبدأ بالطعم
والمكونات : السمسم من نابلس او الخليل، الطحين هو نوع الطحين نفسه المستخدم في
جميع المدن، اما الخميرة فقد اختبرها الاحتلال حين حاول تغيير طعم الكعكة او(
الكعكشة) فمنع الخميرة المستخدمة وفرض نوع خميرة جديدة. ولم تنفع!
اذاً فأن البحث
في رائحة الكعكة هو الحل الاسهل لهكذا ورطة. الروائح وعلاقتها بالزمان والمكان، كل
مكان له رائحته، كما كل دار لها رائحتها، كل صف بالمدرسة، كذلك المدراس ايضا -
فرائحة مدرسة الرشيدية كثيرا ما ارهقتني، كنت اشم رائحة نابلس منبعثة من هذه
المدرسة (مقعد ابراهيم طوقان لازال هناك) - واحيانا اخرى كنت اشم رائحة الغاز
المسيل للدموع! هذه النظرية تنطبق على شوارع القدس. فكل شارع له رائحته، شارع صلاح
الدين له رائحة النار والبارود، شارع ابن خلدون له رائحة الكتب القديمة، وهكذا
دواليك.
"درويش"،
اقصد محمودنا، ميز بين روائح معظم المدن التي زارها. الا ان سيد الكلمة وقف عاجزا
امام هذه الروائح. الخيال واللغة والاساطير والتاريخ خذلوا شاعرنا في.. القدس!
كذلك لم ينجو
شاعرٌ مغمور من هذا المطب (اقصد سحر القدس)، قصيدته سقطت كسقوط السائحين الاجانب
تحت كاميرات صعاليك البلدة القديمة. السائح والجمل في صورة واحدة، بعشرة دولارات
او اكثر( هيهيهيهيهي انه الجمل الوحيد في القدس! الاوغاد سرقوه من صحراء سيناء.)
انا لست
بشاعراً لكني في ازمة حقيقية الان، علي ابتلاع حبة التركيز، المرأة وحدها من
تستطيع التركيز في اكثر من جانب.
"يسعد رب
الحبة" قلت في نفسي وهتفت كأرخميديس "وجدتها وجدتها". انها المياه!
مياه امطار القدس تختلف! مياه الأمطار التي يرسلها بعل، بعل الإله المحارب. بعلنا
الان اصبح مفاوضا! لعنة الله على الحبة.
سوف اتصل
بصديقي عالم الطعوم المقدسي واعود اليكم بخلاصة البحث.
-الو..الو
- اهلا موسى.
خير ليش متصل بهيك وقت؟
-كعك القدس يا
سفيان
- ماله؟
-مختلف!
- هاي حقيقة ما
بيختلف عليها طباخين.
-مش انت خبرتني
انه كلما تقاربت اللهجات تقاربت الطعوم؟
- نعم صحيح.
-طيب لهجة
نابلس 95 بالمية بتشبه لهجة القدس؟
- بس طعم حمص
ابو شكري بيختلف كمان!
-شو قصدك؟
- لبنة الهدمي،
مطبق زلاطيمو وفلافل ابو حسن كلهم غير يا موسى مش بس الكعك.
-طب ليش؟
- أقرا لي شو
كتبت لهلق.
-بعلنا الان
أصبح مفاوضا! لعنة الله على الحبة.
- انت بالقدس؟
-اه دخلتها
تهريب الليلة ، بس كيف عرفت؟
- من كتابتك،
في بنصك طعم غير!
المصدر: جريدة
الأخبار