نهاية أوسلو.. ما بُني على باطل فهو باطل
بقلم: د. أيمن أبو ناهية
إن حديث السيد أبو مازن عن تسليم مفاتيح السلطة أو حلها يصب في معنى واحد، وهو نهاية اجل اتفاقية أسلو "أُم السلطة"، عن عمر يناهز الـ20 سنة، بعد صراع طويل مع مرض المفاوضات والمماطلات المقيتة دون فائدة على الصعيد الفلسطيني، بل إنها تصب في صالح الاحتلال الذي استغلها في بناء الاستيطان والجدار والتهويد والاعتقالات والتنسيق الأمني، وإذا ما أردنا أن نفكك سر هذا اللغز، نجد أننا بالفعل خُدعنا بمشروع أوسلو، الذي يعد أسوأ من النكبة والنكسة بل هو كارثة ووبال على القضية الفلسطينية، بفعل التنازلات التي أوصلتنا إلى ما نحن الآن عليه من تشرذم وانقسام وضياع للقضية الفلسطينية إلى ابد الآبدين.
وكما يعلم الجميع أن طريق التنازلات على الصعيد الفلسطيني بدأ بتبني البرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1974، ثم تبني حل الدولتين عام 1988، ثم إبرام اتفاقية أوسلو عام 1993 والذي تم فيه الاعتراف بدولة "إسرائيل" مقابل اعتراف هذه الأخيرة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني من دون التزام مقابل من جانب "إسرائيل" بالاعتراف بحدود 1967 أو حتى وقف الاستيطان خلال المرحلة الانتقالية، والواقع شاهد على ذلك: لا دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تتمتع بالسيادة على أرضها وجوها وبحرها وتتمتع بمواردها المائية، ولا عودة للاجئين ولا القدس كعاصمة، وهذا ما أصبح واضحاً في حديث أبو مازن وعريقات، والواقع يقول إن السلطة كيان هزيل أشبه بالحكم المحلي في الضفة الغربية في ظل سيطرة الاحتلال على الملف الأمني واستمرار التنسيق الأمني ومطاردة المقاومة، مع وعود بازدهار ورخاء اقتصادي للسلطة وتشبيهها بـ"سنغافورة" على أمل أن ينسى الفلسطينيون في الضفة فكرة المقاومة تماماً، ولم تتحقق أي من هذه الوعود بل على العكس الأحوال الاقتصادية تزداد كل يوم سوءا من فقر لبطالة لغلاء معيشة..الخ، ثم فقدان منظمة التحرير الفلسطينية دورها، واستبدالها مؤخرا بدولة "غير عضو" في الأمم المتحدة، وهذا من شأنه إسقاط لحق العودة، والتنازل عن القدس، وتكريس الانقسام الفلسطيني الحالي بين الضفة وغزة.
إن الاعتراف بالخطأ ليس عيبا، وإنما التمادي فيه هو العيب بعينه، فالاعتراف بالحق فضيلة، هذه هي عادة الرؤساء والقادة العظام الذين ينهون مسيرتهم بعمل مشرف ليذكرهم التاريخ، ولنأخذ اقرب مثلين على ذلك: الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، حين قدم استقالته بعد هزيمته في حرب حزيران "حرب الأيام الستة" عام 1967، كانت نابعة من اعترافه أمام شعبه بكل صراحة عن فشله وهزيمته، الأمر الذي جدد حماس الشعب المصري وأصر على بقائه رئيسا للجمهورية؛ كذلك الحال بالنسبة للرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي رفض تكرار أخطاء أوسلو، وفضل الحصار والصمود حتى النهاية على الاستلام والتنازل عن حق العودة والقدس في "كامب ديفيد" عام 2000، وعاد إلى المقاومة والانتفاضة مرفوع الرأس، وسجله التاريخ له عملاً وطنياً وبطولياً يستوجب الاحترام والتقدير.
وإذا ما اخذ أبو مازن هذين المثلين بعين الاعتبار، كان من الأجدى بدل لعن المقاومة وعدم السماح لانتفاضة وشيكة الانفجار في الأراضي المحتلة _ على اعتبار هذا الموقف متناغماً كليا مع مصلحة الاحتلال _ أن يصلح ذات البين وينهي الانقسام، وأعتقد أنه حان الوقت أن يُقَيم من جديد مسيرة ما يسمى بـ "العملية السلمية" بغرض استخلاص الدروس والعبر وتصحيح الأخطاء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وعدم الانجرار وراء التنازلات من جديد.
وأعتقد أيضاً من واجب السلطة الأخلاقي والوطني والإنساني أن تلتزم باتفاقية جنيف الرابعة الداعية لحماية المواطنين الواقعين تحت الاحتلال، لا أن تُنَسق لاعتقالهم وتعذيبهم من أجل انتزاع اعترافات تقدمها على طبق من ذهب للاحتلال، كي يواصل عملية اعتقالهم، وهذا ما استشهد به تقرير المنظمة العربية المستقلة لحقوق الإنسان في بريطانيا الذي تضمن شهادات موثقة حول استشراء ظاهرة التعذيب في سجون السلطة بالضفة الغربية، بأن 99% من المعتقلين جربوا الاعتقال لدى السلطة على نفس التهم التي اعتقلوا عليها لدى الاحتلال، كما أشار التقرير إلى أن حملة الاعتقالات التي نفذتها أجهزة السلطة خلال 6 شهور الماضية فاقت اعتقالات الاحتلال لأبناء الضفة.
كل هذا يأخذني للقول بأن تحقيق المصالحة ليس منوطا بمهرجانات وشعارات وانطلاقات تقام هنا وهناك _ والتي ينفق عليها أموال طائلة والشعب بحاجة لها في ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي نعيشها، بينما تحقيق المصالحة لا يكلف شيئا_ بقدر ما هو متوقف الأمر على إنهاء ملف الاعتقال السياسي والتنسيق الأمني في الضفة، كي لا تضاعف المعاناة على الشعب الفلسطيني، وان تتعلم السلطة من درس غزة، لأن كل المؤشرات تشير إلى انفجار انتفاضة ثالثة في الضفة أصبحت وشيكة وستكون الأشد ضراوة حيث لا تبقي ولا تذر.