القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

نهر البارد والخروج من الحقبة الجوراسية

نهر البارد والخروج من الحقبة الجوراسية

بقلم: أيمن خالد

ما حدث في نهر البارد هو جزء من الحقبة الجوراسية التي يعيشها النظام العربي الغارق عمقاً في مجاهيل هذه الحقبة، والممتد ثقافة فيما تبقى منها، وعلى أعتاب غروب هذه الحقبة التي أطلت في تونس ولم تنته بعد في مثيــــلاتها فثمة أمواج واكوام من اللحم البشري لا يشمل الفلسطينيين وحدهم، فعليـــــنا أن نعي، أننا لا نفكر كفلسطينيين بالانتقام يوماً ومن يفعل هذا ليس منا، فنحن طوينا أيلول الأسود وطوينا مجـــزرة صــــبرا وشاتــيلا بعد أقل من عام، حينما كان الفلسطينيون ينقذون العائلات المسيحــية من مجازر الجبل، وطوينا.. وطوينا، ودفنا شهداءنا بصمت ولم نُعلّم أطفالهم الحقد على قاتل آبائهم، ليس لأننا متميزون بأخلاقنا وقيمنا، ولكن لأن الشعوب العربية كلها تعاني، وكلها ضحايا انظمتها المستبدة.

ليس نهر البارد حالة خاصة فما جرى فيه يمكن أن يحدث في أي مخيم وفي أي مكان فيه خيمة، وليس دم الفلسطينيين متميزا عن دم الاف العرب الذين يذبحون بين الاقبية والطرقات، واذا كان هذا وذاك، فليس مطلوباً منا أن نصمت كل الصمت، ولا أن يكون صوتنا على شاكلة دول الربيع، فمن الخطأ استعجال ما ليس أوانه، ومن الخطأ أن نثور على نظم فاسدة وقوانين مرعبة ومأساوية قبل حركة الشعوب ذاتها التي تتطلب منا أن نراعي واقعهم ونوكل اليهم جرحنا فصوتهم دفاعاً عنا خير من صوتنا، خصوصاً في حالتنا البائسة، وسواد المرحلة التي تمتد شعاراتها إلى حدود الوطن الذي أغرقته مائة عام من الشعارات ويزيد.

وعلينا أن نفهم ونعي مسألة جوهرية، ان المخيمات في كل الدول وكل أماكن الحروب هي أماكن اعتقال بالعرف التقليدي، لأن اللاجئين تُحجز حريتهم فيها حتى لا تشكل الهجرات الجديدة عوامل صراعات بشرية مستقبلية، وما طبقه حكام لبنان على الفلسطينيين هو ما تفعله مختلف الدول مع مختلف الشعوب المهاجرة، وهذا بالطبع، عندما نريد أن نكون فلسطينيين فقط، فمسألة الهوية الفلسطينية والحفاظ عليها وما تبقى من ابتكارات عربية في هذا الشأن، هي نتاج الحقبة الجوراسية التي قامت بفرز الناس والبشر على أسس غير الأسس عشنا عليها طوال سنين عمرنا معاً.

هم ارادوا من المخيم اصلاً أن يجعل من الفلسطينيين يهود العرب الذين يجلسون وراء ـ جيتو- اسمه المخيم، ونحن مع الاسف صدقنا أنفسنا طويلاً باننا حالة خاصة، وضحك علينا قادتنا واقنعونا بهذا المعدوم فعلا، فأصبح المخيم هو وطن الفلسطيني في ثقافة سيل العابرين على أسطر الصحافة اليومية.

وهي الأيام تستعمل الأنظمة بعض الفلسطينيين في سياساتها الداخلية، فمطلوب من بعض الفلسطينيين لقاء إيوائهم أن يحملوا طبلاً وينشدوا في بعض العواصم للعواصم، وللزعماء ومطلوب منا أن نكون شهود زور على استبداد الأنظمة طيلة عقود مرت، فباسم فلسطين امتهنت الكرامة، وذبحت الشعوب، واستبد الطغاة على شاكلتهم لأنهم استحدثوا أموراً هي بمنزلة المُكتشف غير المقلد.

على اهالي مخيم نهر البارد وغيره أن يدفنوا شهداءهم بصمت، ولا ينتظروا لجان التحقيق وغيره، وعلى الفلسطينيين أن يعيدوا صناعة وفهم ثقافة المخيم، فالمخيم هو سجن الفلسطيني الذي عليه ان يبقى فيه حتى يكسر هذا القيد شباب ربيع العرب القادم الى كل البيوت قسراً، فهي الأمة التي يمكن أن تنهار لكنها هي الامة ذاتها تنهض قبل وصولها للحضيض، وعلى الفلسطينيين ان يفهموا أن معاناتهم لم تعد متميزة فغيرهم من العرب يعاني أكثر منهم.

*كاتب فلسطيني

المصدر: القدس العربي