محمد
المِنشاوي
تاريخيا،
ورغم هزائمها العسكرية المدوية أمام إسرائيل، التزمت الدول العربية -ولو شكليا- بشروط
الحقوق الفلسطينية والدولة الفلسطينية على حدود ما قبل 1967، قبل دخولها في أي مفاوضات
سلام مع إسرائيل، أو الإقدام على خطوات تطبيع العلاقات معها.
يحاول
المطبعون الجدد إقناع شعوبهم العربية بأن هناك أخطارا تهددهم وتهدد "إسرائيل"
معهم؛ مثل الخطر الإيراني، والإرهاب… من هنا وجب علينا (نحن وإسرائيل) مواجهة هذه الأخطار
معا.
وبعدما
عقدت مصر ومن بعدها الأردن اتفاقيات سلام منفصلة، بادرت المملكة العربية السعودية لإطلاق
مبادرة عربية عام 2002 تضمنت وللمرة الأولى استعداد الدول العربية لاعتبار النزاع العربي
الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقيات سلام مع "إسرائيل" بهدف تحقيق الأمن
لجميع دول المنطقة بشرط الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، والتوصل
إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العمومية للأمم
المتحدة رقم 194.
إلا
أن المطبعين الجدد اليوم من عرب اليوم لم يعد هناك ما يلزمهم بهذا الحد الأدنى من ضرورة
إقرار الحقوق الفلسطينية. ومؤخرا ارتضت أغلب النظم العربية دخول أخطر مراحل التطبيع
مع إسرائيل، وهي ما أُسميه مرحلة "التطبيع بلا مقابل.. لمواجهة أوهام وجود أخطار
مشتركة"!
ويحاول
المطبعون الجدد إقناع شعوبهم العربية بأن هناك أخطارا تهددهم وتهدد "إسرائيل"
معهم؛ مثل الخطر الإيراني، والإرهاب… من هنا وجب علينا (نحن وإسرائيل) مواجهة هذه الأخطار
معا.
وقبل
أيام، جددت قمة النقب الحديث عن "التحالف العربي الإسرائيلي" كواقع جديد،
وهو ما يمثل وسيلة ضغط مباشرة وفعالة على العقل الجمعي العربي للتأقلم على وضع مخالف
لما آمنت به شعوب العرب لعقود. ومثلت "قمة النقب" التي جمعت وزراء خارجية
مصر والإمارات والبحرين والمغرب مع وزيري الخارجية الإسرائيلي والأميركي حدثا استثنائيا
على عدة أصعدة.
ورغم
عدم توقيع أطرافها على اتفاق أو معاهدة تعكس مخاوفهم المشتركة، أو أهدافهم المتفق عليها،
فإنها تبرز وبوضوح محورية الدور والعامل الإسرائيلي في حسابات العديد من الدول العربية.
وعززت
القمة مخاوف المشاركين من تبعات إعادة إحياء العمل بالاتفاق النووي مع إيران، وهو ما
يتوقع التوصل إليه قريبا. وانتهت القمة دون الإشارة إلى القضية الفلسطينية كما اعتادت
الدبلوماسية العربية على مدار العقود الأخيرة.
ولم
يتحدث كبار الدبلوماسيين العرب المشاركون في قمة النقب عن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي
الفلسطينيين ولا عن حقوقهم، فقط ذكر بعض الوزراء العرب على استحياء "ضرورة الالتزام
بحل الدولتين".
في حين
أكد البيان الختامي للقمة -الذي جاء في كلمة لوزير الخارجية الإسرائيلي بصفته الجهة
المستضيفة- تشكيل لجان أمنية لمواجهة تهديدات إيران في المنطقة، وشبكة أمنية للإنذار
المبكر، وأشار البيان إلى أن القمة ستعقد بشكل دوري.
وأضاف
البيان الختامي للقمة أن هذا الاجتماع الإقليمي هو "الأول من نوعه ولن يكون الأخير،
مشيرا إلى صناعة التاريخ من خلال التعاون الأمني في الإقليم".
كان
ملف عملية سلام الشرق الأوسط وحقوق الشعب الفلسطيني جزءا من التراث الدبلوماسي العربي
الشكلي والرمزي، واليوم لم يعد حتى كذلك.
ولم
يعد يرتبط التقدم في علاقات العرب بإسرائيل بأي من ملفات قضية حقوق الفلسطينيين، ولا
يعد ذلك استثناء، بل هو الواقع الذي أملته رغبة الأطراف العربية، أو حقيقة فرض الأمر
الواقع على الأرض من الجانب الإسرائيلي في ظل رضوخ الأطراف العربية.
سلام
مصر مع "إسرائيل" ومن بعدها سلام الأردن لم يأت أو يمنح الفلسطينيين أي حقوق
أو تنازلات إسرائيلية. في الحالة المصرية تم الانسحاب من سيناء، وفي الحالة الأردنية
انسحبت "إسرائيل" من مساحة 380 كيلومترا مربعا من أراضي الأردن، ولم تنسحب
"إسرائيل" من أراض فلسطينية إرضاء أو رضوخا للدول العربية.
وقبل
سنوات قليلة تحدث حاكم عربي خلال زيارته لمدينة نيويورك في جلسة مغلقة جمعته مع قادة
منظمات يهودية، إضافة إلى عدد من كبار المفكرين وخبراء شؤون الشرق الأوسط من عدة مراكز
بحثية أميركية؛ ونادى خلالها بضرورة استغلال واشنطن حالة الضعف العربي غير المسبوق،
والانقسام والتشتت الفلسطيني من أجل إنهاء قضية فلسطين.
وقال
ذلك الحاكم إن العرب -حكومات وشعوبا- مشغولون بدرجة كبيرة بشؤونهم الداخلية الضيقة،
وهو ما سمح بتلاشي الاهتمام الشعبي والحكومي الرسمي بالشأن الفلسطيني. وذكّر الحاكم
العربي الحاضرين بأن الدول العربية المعتدلة ستضغط على الفلسطينيين لقبول أي شيء تقدمه
لهم إسرائيل. ونصح الحاكم الحاضرين بضرورة استغلال فرصة الوضع العربي الراهن، وبسرعة،
لمنح الفلسطينيين ما يشبه الدولة لأنه لا أحد يضمن ما سيأتي به الغد.
وسيذكر
التاريخ أن ممثلي حكام دول عربية احتشدوا في أراض فلسطينية محتلة جنبا إلى جنب مع وزير
خارجية إسرائيلي يميني يقف بجوار وزير خارجية أميركي بارك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل
ونقل السفارة إليها، من أجل إعادة تشكيل خريطة تحالفات الشرق الأوسط اعتمادا على تجاهل
قضية فلسطين ومصير القدس، مقابل الترويج لوجود تهديدات ومصالح مشتركة تجمعهم.
وبقي
أن أشير إلى أن جامعة للدول العربية لم تشارك في قمة النقب، ولم تصدر بيانا بالشجب
أو بالترحيب بعقدها. وحسنا ما فعلته الجامعة التي أدركت أنها لاعب لا يستحق الرجوع
إليه، إذ أصبحت مثالا لفشل الدبلوماسية العربية على مستوى الدول الأعضاء أو على مستوى
العمل الدبلوماسي العربي المشترك.