هل اختفت فلسطين من عيون العربي (إعلاماً وشعبا)؟!
بقلم: لمى خاطر
تنصبّ اتهامات عديدة على وسائل الإعلام العربية، خصوصاً الشهيرة منها، لتقصيرها في التفاعل مع مجريات القضية الفلسطينية وتراجعها عن حالها السابق الذي كانت معه القضية الفلسطينية تحتلّ رأس أجندتها الإعلامية، ثم تراجع قدر الاهتمام بها وغدا موسمياً لا يوميا.
ولعل هذا الاتهام المطلق فيه من الأحكام العاطفية أكثر مما فيه من المعايير الواقعية عند محاولة فهم هذا الاعتدال في تناول منابر الإعلام العربي للشأن الفلسطيني.
وقبل كلّ شيء فإن سخونة أي حدث تفرض نفسها على جميع وسائل الإعلام؛ محلية وإقليمية وعالمية، وتلك السخونة أصبحت مقترنة بالدرجة الأولى بمشاهد الدم والدمار أكثر من اقترانها بالقيمة المعنوية للحدث، ولذلك قد تحظى تغطية مجزرة بأضعاف ما يحظى به حدث من طراز اقتحام المسجد الأقصى أو تهويده المتسارع أو تزايد الاستيطان في الضفة الغربية، وهذا أمر طبيعي ومفهوم لأن حياة الإنسان في الأصل لها القيمة الأعلى في الاعتبار الإنساني، والأمر ذاته ينطبق على قضية الأسرى، فخوض أسرى فلسطينيين إضراباً لمدد قياسية لم يحظ بعشر الاهتمام الذي حظي به استشهاد أسير داخل السجون خلال التحقيق معه.
وما يقال عن الإعلام العربي ينطبق أيضاً على المواطن العربي، وهذا المواطن كان فيما مضى خالياً من أي اهتمام بقضاياه الداخلية، فنضاله ضد استبداد النظم التي تحكمه كان منبوذاً من تفكيره ومثله التطلّع إلى حقوقه في الكرامة والحرية والعدالة. ولذلك كانت قضية فلسطين تمثل شغله الشاغل لأنها كانت بمثابة المتنفس لاحتقانه الداخلي، فكان يتفاعل مع أبسط أحداثها، لكنه كان تفاعلاً محدوداً وغير مجدٍ كونه لم يتجاوز ساحات التظاهر داخل العواصم العربية، ولم يحصل أن نجح في إحداث تغيير من أي نوع كونه ظلّ محكوماً بسقف المسموح من قبل الأنظمة.
لكن اهتمام المواطن العربي اليوم موزع على قضايا بلاده التي لا تنتهي، إذ ليس منطقياً تصور أن الربيع العربي سيزهر في فلسطين بمجرد إسقاط هذا النظام أو ذاك، لأن طريق الشعوب نحو الاستقرار لا بد أن يأخذ مداه، ولن يكون واقعياً تصور أن المواطن العربي قادر على ترك ساحته ذات الأحداث المتفاعلة لكي ينجذب بكليّته نحو القضية الفلسطينية، وينتصر لها دون أن يمتلك وسائل مجدية لذلك.
وبناءً على ذلك، كان لا بدّ للإعلام أن يوزّع اهتمامه على كل الساحات المتفاعلة، وأن يكون للساحة الأكثر دموية (أي سوريا) الاهتمام الأكبر من التغطية والمتابعة، بعد أن كان السكون فيما مضى يلفّ جميع المنطقة العربية باستثناء الساحة الفلسطينية، فكان طبيعياً أن تعبئ تفاصيلها الكبيرة والصغيرة كلّ أجزاء المشهد الإعلامي محلياً وعربيا، بل وكلّ مساحات ذاكرة المواطن العربي الذي ما كان يعرف معنى الشهادة والأسر والاحتجاج إلا عن بعد، وبمقدار ما تفرزه قضية فلسطين.
ولذلك؛ أرى أن هناك بعض العبثية اليوم في تلك النداءات النمطية التي تستنفر نخوة العرب من حولنا، وتسأل عما فعلوه لهذه القضية أو تلك من مجمل قضايا وتفاصيل المشهد الفلسطيني، فالسوري الرازح تحت القصف والذي يدفن كلّ يوم مئات الشهداء لن يستطيع أن يحيل نظره عن قضيته الآنية، ومثله المصري واليمني والتونسي والليبي الذي يمرّ بمرحلة انتقالية تستحق أن تمنح الفرصة الكافية قبل إنتاج نظام مستقرّ بعد عقود من التخريب في الوعي وفي الواقع الذي أحدثته النظم البائدة.
يستحق العربي أن يحظى بوقت كي يرتق جراحه المتناثرة، وحتى يستعيد مفهوم الشعور بوحدة الهدف والمصير مع عموم العرب والمسلمين، وما من شكّ بأن قضية فلسطين ستعود لاحتلال المساحة الأولى في وجدانه، لكنّ الفرق أن تفاعله معها حينها لن يكون مجرّد تضامن عاطفي، بل فعلاً أكيدا، وتكافلاً عمليا، ونصرةً مجدية!