هل تختار حماس "الانسحاب الآمن" من الحكومة؟
عدنان أبو عامر
في
ذروة الأزمة التي تعيشها حكومة حماس في غزة، داخلياً وخارجياً، علم
"المونيتور" أن خياراً جديداً بدأ يطرح على طاولة صناع القرار فيها
يتمثل بالانسحاب من الحكومة، تفادياً لأزمات أخرى قادمة في الطريق، يتمثل باستقالة
الحكومة في غزة برئاسة إسماعيل هنية، والإعلان عن حكومة "تكنوقراط"
جديدة، من رجال الأعمال والخبراء والمستقلين، دون أن يكون أياً منهم مرتبط بحزب
سياسي أو تنظيم فلسطيني. وجاء طرح هذا الخيار في ضوء انتقال حماس من أزمة لأخرى في
الأشهر الأخيرة، وصلت ذروتها بانقلاب مصر الذي أطاح بالجماعة الأم، الإخوان
المسلمين، وما تبعه من إجراءات أمنية وسياسية تمثلت بإغلاق معبر رفح، وهدم معظم
الأنفاق على حدود غزة وسيناء، وصولاً للقرار غير المسبوق بحظر حماس، وهو ما تناوله
"المونيتور" في تحليل سابق.
أقل
الخسائر
مصدر
مسئول في حماس بغزة قال "للمونيتور" أن الحركة تحاول أن تخرج بأقل الخسائر،
وتفاضل بين خياري السيئ والأقل سوءاً، والمكلف والأقل كلفة، وأن الانسحاب من الحكم
يتم تداوله داخل حماس من قبل من يرى أن الضغوط عليها وتزايدها سيرتد سلباً على
شعبيتها التي تخشى أنها باتت في تراجع حاد، وهو ما أوضحه آخر استطلاع للرأي أجراه
المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر 2013.
كما
تزداد أهمية هذا الخيار في ضوء رفض الفصائل الفلسطينية لدعوة حماس تشكيل حكومة
توافق وطني، ولذلك فإن خيار انسحاب وزراء حماس من الحكومة لا يعني استبدالهم
بوزراء من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، الذين أعلنوا أكثر من مرة رفضهم
المشاركة في مثل هذه الحكومة التكنوقراطية.
فيما
كان لافتاً تصريحات يحيى موسى، رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي، والقيادي في
حماس، حين دعا الحركة لتغيير الإستراتيجيات التي عملت عليها بعد 8 سنوات من الحصار
على غزة، مطالباً بإعادة النظر في جميع الإستراتيجيات التي عملت عليها سابقاً،
ووضع إستراتيجية كفيلة: إما بقلب الطاولة وتغير المنظومة، أو يكون هناك إطار آخر،
في إشارة منه لخيار الانسحاب من السلطة.
"المونيتور"
علم أن بداية طرح حماس لخيار الانسحاب من الحكومة بدأ يتفاعل مع تراجع فرص
المصالحة مع فتح.
المصدر
المسئول في حماس، ممن يتبنى طرح ما وصفه "الانسحاب الآمن" من الحكومة،
يرى في حديثه "للمونيتور"، أن هذا الخيار يقلل الكثير من المخاطر التي
تنتظر حماس في قادم الأيام، خاصة زيادة الأعباء المعيشية عليها، وتحميل
الفلسطينيين في غزة للحكومة مسئولية العجز عن توفير الحد الأدنى من الحياة
الكريمة، بسبب تزايد إجراءات الحصار المصرية والإسرائيلية.
وأضاف:
كما أن خيار الانسحاب من الحكومة تتزايد وتيرته وترتفع المطالبات به في ضوء عدم
وجود ضوء في نهاية نفق العلاقة الباردة مع إيران، وعدم ترجمة أي تحسن فيها بوصول
أي دفعات مالية منها، بجانب أن الحلفاء الجدد في قطر وتركيا، لا يوفرون دعماً
مالياً نقدياً، يساعد الحكومة في غزة على منح موظفيها رواتبهم التي بدأت تتأخر في
الأشهر الأخيرة بصورة مقلقة.
وأوضح
المسئول في حماس خلال تفسيره "للمونيتور" أن حماس في هذه الآونة لا تملك
الكثير من الوقت لتمضي في سياسة "الانتظار الإيجابي" التي سارت عليها
منذ انقلاب مصر، على أمل أن تتغير الأمور ويعود الإخوان المسلمون، لكن من الواضح
أن أفق العلاقة مع مصر ينتقل من سيء إلى أسوأ، وهو ما تعرض إليه
"المونيتور" في تقرير سابق له.
مسئول
آخر في حماس خارج الأراضي الفلسطينية، كان من أنصار هذا الخيار، تطرق في حديثه مع
"المونيتور" لجانب آخر من مسوغات الانسحاب من الحكومة، يتعلق بالمقاومة
ضد إسرائيل، على اعتبار أن الجمع بين الحكم والمقاومة يشبه الجلوس على مقعدين في
آن واحد معاً، وهو أمر متعذر، لأنه سيكسر ظهر الجالس بينهما.
الانتظار
الإيجابي
وأضاف:
كان من الأجدى أن تدرك حماس منذ البداية أن من يريد اعتماد الـمقاومة العسكرية
خياره الوحيد لا يدخل عملية سياسية وانتخابات وتأسيس سلطة، بل يبقى على هامشها
بحيث لا يتأثر بها، ويحافظ على أسلوبه الكفاحي بعيداً عن ازدواجية الـمسؤوليات،
وبالتالي يرهن القضية ككل ضمن هذه الازدواجية، مشيراً بذلك إلى ما تعانيه حماس
اليوم في توفير الرواتب وفتح المعابر التجارية، وهذا ليس من مهام حركات المقاومة
بأي حال من الأحوال، لأنه سيحرفها عن مهامها الأساسية وهي القتال ضد إسرائيل.
في
المقابل، علم "المونيتور" أن هناك تياراً داخل حماس يرفض هذا الخيار، بل
وعمل على تحشيد المعارضين له كي لا يحظى برضا قواعد الحركة التنظيمية.
ولعل
أبرز الأصوات الرافضة لهذا الخيار يوسف رزقة، المستشار السياسي لهنية، ووزير
الإعلام السابق في حكومة حماس، الذي دافع عن تجربة حماس في الحكم بقوله أنها
"قفزت بها للساحتين الدولية والإقليمية، وجعلتها طرفاً مقرراً، وليس متفرجاً
أو متلقياً، وهي اليوم تملك القرار لأنها تملك إحباطه لدى الآخرين، ويمكن القول
بأنه لا سياسة فلسطينية بدون حماس، رغم الحصار السياسي، ولذلك فإن تجربة حماس في الحكم
غنية وثرية، فيها الكثير من الإيجابيات للمشروع الوطني، الذي تقدم بمشاركتها في
السلطة، ومنافسة فتح، وتقديم نموذج آخر، وتعزيز الديمقراطية".
وقال
مسئول آخر في حماس في حديثه "للمونيتور": "خيار الخروج من الحكومة
في هذا التوقيت بالذات، يشبه إلى حد كبير "الانتحار الطوعي"، الذي يقدم
على طبق من ذهب لجميع خصوم حماس وأعدائها في الداخل والخارج، لأنه يعني نجاحهم في
مخططاتهم بإسقاط حكومة حماس، والقضاء عليها، وتصويرها أمام الرأي العام الفلسطيني
أنها فشلت في إدارة الحكم". وحين سأله "المونيتور" عن خيارات حماس
لمواجهة الأزمات القائمة حالياً في غزة، والتي تتفاقم يوماً بعد يوم، أجاب قائلاً:
"ليست حماس لوحدها في أزمة، خصومها وأعداؤها أيضاً في أزمات مركبة، إسرائيل
والسلطة الفلسطينية ومصر، جميعهم يعانون من مشاكل مستعصية، دعونا ننتظر ما قد تسفر
عنه التطورات القادمة في المنطقة، ولا نبادر لخيار وصفه بـ"الانهزامي"
يعبر عن نفسية مهزوزة خائفة"!
المونيتور، 10/3/2014