هل تعتذر بريطانيا للضحايا الفلسطينيين؟
بقلم: علي هويدي
أنطلقت صباح السبت 19/1/2013 فعاليات إحياء أسبوع الضحايا الفلسطينيين من العاصمة البريطانية لندن، فعلى السنة الرابعة على التوالي ينظم مركز العودة الفلسطيني الفعالية، الا ان لهذا العام تطور نوعي جديد يواكب حراك قرن كامل من الوجود الفلسطيني في شتى انحاء المعمورة، فقد قام المركز باطلاق "الحملة الدولية لاجبار بريطانيا على الإعتذار من الشعب الفلسطيني" تحت عنوان "بريطانيا حان وقت الاعتذار "، وتهدف الحملة لجمع مليون توقيع خلال خمسة سنوات وتقديمها للحكومة البريطانية في الذكرى المئوية لوعد بلفور في العام 2017. وقد اختار المركز إطلاق اولى فعاليات الاسبوع بعقد مؤتمر دولي اكاديمي متخصص يوم السبت تحت عنوان "بريطانيا وإرثها الاستعماري في فلسطين" الذي تحدث في جلساته الثلاثة نخبة متخصصة من مختلف دول العالم وبحضور اكثر من مائة شخصية سياسية ودبلوماسية واكاديمية معظمهم من البريطانيين.
انظار المراقبين والمهتمين مشدودة لفعاليات الأسبوع التي بدأت تتنقل بين الجامعات والكليات البريطانية والتي ستتناول عدد من ورش العمل والمعارض وعروض الافلام، والتي ستنتهي بعرض فيلم "شتات الشتات، فلسطينيو العراق"، مساء 25/1/2013 كما ذكر المنظمون.
لكن أن يتم إجبار بريطانية العظمى التي استعمرت فلسطين لمدة ثلاين سنة 1918 - 1948 على الاعتذار لاكثر من 11 مليون فلسطيني من بينهم اكثر من سبعة ملايين لاجئ فلسطيني هم ضحايا النكبة، هو التحدي الاكبر على مدار سنوات الصراع العربي الصهيوني حول فلسطين، وربما يكون حدث القرن الواحد والعشرين، خاصة اننا نتحدث عن فلسطين والكيان الاسرائيلي وما يعنيه هذا الكيان لمختلف الدول الغربية الداعمة والادارة الامريكية على وجه الخصوص، فالحدث عالمي بامتياز سيكون له ما بعده سواء على المستوى القانوني او السياسي او المعنوي، لكن هل هي المرة الاولى التي ستعتذر فيها بريطانيا لشعب انتهكت حقوقه الانسانية وتسببت بقتله وبتشريده ولجوئه الى المنافي؟ الجواب لا، فالتاريخ يوثق تجربة بريطانيا واستعمارها لقبائل الماو ماو في كينيا في افريقيا، واضطرار الحكومة البريطانية الى إلغاء الاحكام العرفية والى اعلان استعدادها لمنح كينيا استقلالها الذاتي الذي حصلت عليه فعليا في 12/12/1963. وفي خطوة هامة خصص المركز المحور الاخير من الجلسة الثالثة للمؤتمر لبحث الاجراءات القانونية التي مكنت قبائل الماو ماو من دفع بريطانيا للاعتذار عن ممارساتها الاستعمارية من خلال دراسة مقارنة مع قضية فلسطين، والتي خرج فيها بنتائج هامة يجري متابعتها.
إذاً يشكل المؤتمر واحدة من أدوات الضغط الهامة على الحكومة البريطانية لاجبارها على الاعتذار، والذي سيشكل خطوات إضافية كاشفة، ولفتح المزيد من الصفحات السوداء لارشيف الانتداب البريطاني على فلسطين لثلاثة عقود ومن مختلف الجوانب، العسكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية والحياة اليومية..، تارة من خلال ما تتناقله مراكز الدراسات والابحاث، الغربية منها قبل العربية، او ما كتبه المؤرخون من الجنسيات المختلفة، او من خلال ما قدمه شهود النكبة الذين وثَّقوا هذه التجربة وممارساتها التعسفية وعايشوها بانفسهم وذكراها حافرة في مخيلتهم، او من خلال الارشيف البريطاني نفسه (السمعي والبصري)، اذا هي عملية نبش وحفر ليس في ايام الانتداب فقط وانما في الساعات واللحظات وما تركه من آثار لا تزال حاضرة لدى 11 مليون فلسطيني يستذكرها مع تجرعه اللحظي لمرارة اللجوء والشتات، وحاضرة لدى كل انسان يعي حقيقة الظلم الذي وقع على شعب اعزل استُبدل بشعب آخر زورا وبهتانا، وهذا غيض من فيض، وما أكثر الادوات التي من شأنها ان تحافظ على قوة حضور قضية الاعتذار، لا سيما في حضرة ثورة الاعلام وما باتت تمثله من ادوات فاعلة في التوعية والتثقيف والفهم والتغيير. إذا الحدث ليس حكرا على الفلسطينيين وحدهم، انما معني به الانسان بغض النظر عن لونه او دينه او جنسه او مستواه الاجتماعي.
بعد انطلاقة الحملة بشكلها الرسمي ليس كما قبلها، والدلالة الرمزية بانطلاقتها من لندن عاصمة دولة الانتداب ليس كانطلاقتها من اي دولة اخرى، العالم الحر الذي يتبنى اليوم افكار العدل والمساواة وحقوق الانسان ويدافع عنها مدعو اليوم كي يدلي بدلوه وليكون شريك في الحملة، ولان يَكتب اسمه بماء الذهب وليشكل منعطفا في تاريخ الانسانية، وهو امام اختبار مفصلي تجاه قضية تحمل مسمى "الاحتلال الوحيد المتبقي على الكرة الارضية"، وملايين من البشر يذوقون الامرين من تجارب اللجوء والشتات والتنقل بين المخيمات والدول ومن نكبة الى نكبة، ولعل ما يجري للاجئين الفلسطينيين في سوريا اليوم من قتل وتدمير وتهجير خير دليل...
الحملة ستحقق اهدافها لا محالة، وعلى الحكومة البريطانية ان تبدأ بتحضير ملفاتها وتهيئة اركانها لما سيترتب على الاعتذار من مسؤوليات..، ثقتنا نابعة مما تحمله القضية من قوة في الطرح على المستوى القانوني، والبُعد العالمي للإنسان، ومن حجم المساندين والمتضامنين مع الحق الفلسطيني، وما تمثله من حالة إجماع شعبي عربي واسلامي بحاجة لمن يوقظ النائم ويحرك الراكد ويعيد الحدث الى الصدارة، فأمام قوة الحق لا حق للقوة.