هل ثمّة مساومة على إعادة إعمار غزة؟
بقلم: اميل خوري
أين
أصبحت القضية الفلسطينية، وأين أصبح خصوصاً إعمار غزة وسط ما يجري في المنطقة من حروب
مذهبية وصراعات على السلطة؟
لقد
كان متوقعاً أن تنتهي حرب غزة كما انتهت حرب لبنان في تموز عام 2006 بقرار دولي يجعل
الحدود هادئة مع غزة كما صارت هادئة مع لبنان توصلاً إلى إعمار ما تهدّم. وإذا كان
لبنان لم يستفد من القرار الدولي الرقم 1701 لتعذّر تنفيذه كاملاً فإنه استفاد من تحقيق
الهدوء على حدوده الجنوبية مع اسرائيل في انتظار أن يعمّ ذلك كل لبنان عند تنفيذه كاملاً.
لكن غزة بعد الحرب الأخيرة ما زالت تعيش في ظل هدنة غير ثابتة ومفتوحة ربما على حروب
جديدة، ولم يصر إلى إعادة إعمار ما تهدّم لأن إسرائيل تخضع ذلك لشروطها، لا بل تفرض
حصاراً على غزة ولا تدفع الأموال المستحقّة للسلطة فيها، محاولة أن تحصل على ما لم
تحصل عليه بالحرب.
وكان
قد تقرر تخصيص أكثر من خمسة مليارات دولار كمساعدات عربية ودولية لإعمار غزة وتقديم
الدعم الكامل للحكومة الفلسطينية ولكي يتفرغ الفلسطينيون للبناء من دون إعادة هدم ما
بنوه. لكن اسرائيل تحرم باحتلالها ايضا الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية من نحو
3 مليارات دولار سنويا، وان عدم التزام اسرائيل القرارات الدولية والقبول بحل الدولتين
على أساس حدود 1967 وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً استناداً إلى مبادرة
السلام العربية المعتمدة في قمة بيروت عام 2002 وفي مؤتمرات القمة الاسلامية، جعل المنطقة
تدخل في دوامة العنف والنزاع وانتشار الارهاب.
لقد
تعرضت غزة لثلاث حروب في غضون 6 سنوات أسفرت عن سقوط 3760 شهيداً وتدمير أكثر من
80 ألف منزل وإلحاق أضرار بمرافق البنية التحتية والمرافق العامة ومنشآت القطاع الخاص.
وقد حالت عقبات سياسية وخلافات داخل حكومة "الوفاق الوطني" دون إعادة تشغيل
المعابر بين المدن الفلسطينية، إذ لا يعقل أن يظل اقتصاد فلسطين رهينة اجراءات الاحتلال
الاسرائيلي وممارساته العقابية، خصوصا في ظل غياب سلام عادل وجهود دولية تراوح مكانها
ووعود لم تتحقق وعدم إصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي يضع سقفاً زمنياً لإنهاء الاحتلال
والذهاب من ثم إلى مفاوضات جادة لحل قضايا الوضع النهائي، بدءا بترسيم الحدود في اطار
جدول زمني محدد لا يتعارض مع التزامات تحقيق السلام العادل والشامل.
ولم
يحصل، من جهة اخرى، اتفاق في مجلس الأمن على اتخاذ قرار يكون أساسا لحل بعيد المدى
يحول دون تكرار الحرب بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية، لأن أميركا اقترحت جعل قطاع
غزة منطقة خالية من السلاح والمسلحين باستثناء سلاح السلطة الفلسطينية، وتدمير كل الانفاق
عبر الحدود مع كل من اسرائيل ومصر، وإعادة سيطرة هذه السلطة على القطاع، وفتح نقاط
العبور على حدود غزة، وأن تبدأ إعادة البناء في القطاع من خلال برنامج متكامل، ومنع
استخدام مواد البناء وغيرها من المواد المزدوجة الاستخدام لأغراض غير سلمية، وقد رفضت
حركة "حماس" نزع السلاح وطالبت بفتح معبر رفح.
وهكذا
لم يحقق اتفاق الهدنة الذي تم التوصل اليه هدنة دائمة وثابتة بين اسرائيل وغزة، وهي
لا تختلف عن هدنات سابقة بعد حروب سقط فيها قتلى وجرحى وتسببت بخراب ودمار.
الواقع
ان الاحداث الخطيرة التي تواجهها المنطقة تضعف الاهتمام بغزة وبالقضية الفلسطينية،
فكل دولة في المنطقة منشغلة بمشاكلها وباتت قضيتها أخطر من القضية الفلسطينية، وفاتورة
الانتظار لإنهاء هذا الوضع الذي لا ينتهي الا بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وليس
مجرد حل لأزمة غزة لم يتم التوصل اليه على رغم تعرض غزة لـ13 عملية عسكرية خلال 13
سنة وظلت قضيتها مشتعلة بحيث نقل عن اسحق رابين قوله زمن حكمه: "أتمنى أن أصحو
ذات يوم لأجد البحر قد ابتلع غزة بالكامل".
ويبدو
أن هناك مساومة على إعادة الإعمار في مقابل نزع سلاح المقاومة، لكن حركتي "حماس"
و"الجهاد الاسلامي" ترفضان أن يمس هذا السلاح، ويقول قادتهما "إن الأيدي
ستبقى على الزناد، فإذا عادت إسرائيل الى العدوان عدنا الى الدفاع عن النفس".
إلى
ذلك، فإن الخلافات على إدارة المعابر قد تحوّل أموال الإعمار وعوداً على ورق، وهذه
مسؤولية السلطة الفلسطينية قبل أن تكون مسؤولية غيرها، وعليها أن تقوم بالواجب حيال
غزة في أسرع ما يمكن، وتكون السرعة للإيواء ولدفع رواتب الموظفين، إذ لا يمكن أن تبقى
غزة تحت الحصار.
ثمة
من يقول إن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ينتظر نتائج الانتخابات
النيابية في إسرائيل كي يبني على الشيء مقتضاه، خصوصا بالنسبة إلى معاودة مفاوضات السلام
لحل القضية الفلسطينية حلا كاملا، وان الحكومة التي ستنبثق من هذه الانتخابات هي التي
تحدد مصير هذه المفاوضات ومسارها.
المصدر:
النهار