القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

هل دقت ساعة تصفية قضية فلسطين؟

هل دقت ساعة تصفية قضية فلسطين؟

بقلم: الياس سحاب

لا شك بأن الخط البياني لقضية فلسطين يسير في حالة انحدار مستمر، فلسطينيا وعربيا ودوليا، حيث اصبح يبدو في السنوات الاخيرة بالذات، أن القضية لم تقترب منذ العام 1948 من مرحلة التصفية النهائية، كما تفعل في السنوات الاخيرة.

واذا كان من غير الممكن في هذه المقالة القصيرة استعادة كل الشواهد التي تشير الى ذلك وتؤكده، فقد حفلت الايام الاخيرة بمؤشرات ثلاثة تنبئ بتفاقم الخطر، ووصوله الى نقطة تدعو الى قلق عميق على القضية.

مؤشرات الخطر الاولى جاءت عبر رسالة رفعتها بلدية قرية بيت جالا (ذات الحضور المسيحي اللافت) الى قداسة بابا الفاتيكان الجديد فرنسيس، تشكو فيها من ان سيف جدار الفصل العنصري المتلوي كالثعبان في طول الضفة الغربية وعرضها قد وصل اخيرا الى رقبتها، حيث بدأت اسرائيل حملة مصادرة أراضي القرية لاستكمال بناء الجدار العازل بطريقة ستؤدي الى فصل بيت جالا وجارتها الكبرى بيت لحم عن القدس.

طبعا أخبار جدار الفصل العنصري ليست جديدة، لكن اللافت للنظر في الخبر الجديد ان عملية بناء هذا الجدار الاسرائيلي العنصري ما زالت مستمرة ومتواصلة منذ سنوات عديدة، وانها وصلت اخيرا الى تشكيل خطر يبدأ بابتلاع مزيد من اراضي الضفة الغربية، لكنه ينتهي بتهديد مباشر للأعداد القليلة المتبقية من مسيحيي فلسطين المحتلة، وبوضعهم مباشرة في احوال معيشية تدفع الى السفر والهجرة، ومغادرة البلاد نهائيا. اضافة الى كونها تستكمل عملية اسرائيلية طويلة المدى ومتواصلة لتغيير المعالم الجغرافية للضفة الغربية بطريقة تسهل ابتلاعها لمصلحة السرطان الاستيطاني الذي ينتشر في شتى ارجائها، من دون مراعاة اي اعتبار خاص للمواقع المقدسة في القدس وحولها، بل مع تعمد التهديد بالابتلاع النهائي لتلك المواقع.

الدفعة الثانية من مؤشرات الخطر الجديدة جاءت عبر خبر نقلته مجلة اقتصادية اسرائيلية تشير الى قرب قيام احد افراد الاسرة الحاكمة في قطر بزيارة لاسرائيل في تشرين الثاني المقبل، زيارة رسمية وعلنية، ليشارك برعاية تدشين مركز للتحكيم التجاري الاسرائيلي - الفلسطيني، اضافة الى توسيع مجالات التعامل التكنولوجي بين اسرائيل وقطر.

وفي هذا الخبر رائحة الرعاية العربية المباشرة لتباشير تصفية قضية فلسطين، عبر دعم ملفات الالتحاق الفلسطيني بالهيمنة الاقتصادية الاسرائيلية، حتى من قبل البدء بطرح اي تسوية عادلة وشاملة لقضية فلسطين.

لكن المفاجأة جاءت في اليوم التالي، لنشر خبر التطبيع التكنولوجي والاقتصادي، بخبر سياسي مدو، يعلن عن تفاهم بين وفد الجامعة العربية الى اميركا برئاسة رئيس حكومة قطر، ووزير الخارجية الاميركي جون كيري، على تحريك مفاوضات التسوية بين الاسرائيليين والفلسطــينيين عبر إحـياء المبادرة العربية النائمة، والسيئة الذكر، لكن بعد ان يضاف اليها تنازل جديد مفاده الاستعداد العربي (والفلسطيني طبعا) لإحياء فكرة التنازل الكلي عن حدود العام 1967، التي كانت اساسا للمبادرة القديمة، لمصلحة فكرة تبادل الاراضي، وهي في الاساس فكرة اسرائيلية ذات طابع احتلالي عنصري، يقضي بأن لا تكتفي التسوية بإلغاء مفاعيل الجريمة الاصلية للعام 1948، بل التسليم لاسرائيل بكل مكتسباتها الجغرافية والسياسية من الجريمة الفرعية في العام 1967، اي التسليم لاسرائيل بكل ما اجرته وما زالت تجريه في الضفة الغربية من قضم وتشويه معالم، وبناء مستعمرات استيطانية كبيرة وصغيرة، في شتى ارجاء الضفة الغربية.

انه اعلان لاكتمال عناصر مسيرة التصفية النهائية لقضية فلسطين، مع ملاحظة الحرص على إلغاء اي ذكر من قريب او بعيد لاساس قضية فلسطين المتمثل في حق عودة الفلسطينيين الى جميع انحاء فلسطين التاريخية، وليس فقط الى ما تبقى من اراضي الضفة الغربية، بعد التسليم بابتلاع اسرائيل لمعظم اجزائها.

ان اخطر ما في ملامح هذه التسوية انها تمثل إقداما على اقتناص فرصة مرور قضية فلسطين بأسوأ احوالها منذ العام 1948، فلسطينيا وعربيا ودوليا، لتصفيتها باعتراف فلسطيني، ورعاية عربية.

السفير، بيروت، 9/5/2013