محمد أبو رمان
طرح الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، خالد
مشعل، قبل قرابة شهرين، رؤية مهمة واستراتيجية لتجديد المشروع الوطني الفلسطيني، والتعامل
مع التحدّي المصيري الراهن، في محاضرة له في منتدى الفكر العربي. قدّمت إطاراً للتحديات
الرئيسية التي تواجه الشعب الفلسطيني (في الداخل والخارج)؛ وأبرزها ثلاثة يتفق الجميع
عليها:
الأول تسارع الخطط الأميركية - الإسرائيلية لإنهاء
القضية الفلسطينية وحلم الدولة على الأرض (حتى ضمن قرارات الشرعية الدولية). والثاني،
الانقسام الفلسطيني وغياب التوافق على المشروع الوطني الاستراتيجي المطلوب للمرحلة
المقبلة لمواجهة التحولات الجوهرية الراهنة. والثالث، تبدّد العمق العربي وحدوث اختراقاتٍ
واضحة في المحيط العربي، والبدء بعمليات تطبيع (بشّرت الإدارة الأميركية الإسرائيليين
بأنّها ستكون متوالية، ولن تقف عند الإمارات) تلغي مركزية القضية الفلسطينية، وتُضعف
الرفض الفلسطيني لصفقة القرن التي لا تقل خطورةً عن وعد بلفور المعروف.
لم يقدّم خالد مشعل خطاباً عاطفياً، ولا لغة أيديولوجية
لا تنظر إلى الواقع، بل مقاربةً تكاد تسمعها، نظرياً، اليوم بمضامين ولغة قريبتين من
أغلب القيادات الفلسطينية في السلطة وفي الفصائل المختلفة، لكن المطلوب حالياً حوار
وطني لوضع تصوّر مشترك وخريطة طريق للفلسطينيين.
لعلّ أبرز النقاط المشتركة اليوم؛ تغيير وظيفة السلطة
الفلسطينية، ورفع كلفة الاحتلال، خصوصا في القدس والضفة الغربية، وتجديد شرعية القيادة
الفلسطينية والتوافق الوطني، وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، سيما بين الضفة الغربية
وقطاع غزة.
هل ذلك ممكن وواقعي أم أنّ القطار قد فات الفلسطينيين؟
لا يوجد إلى اليوم صوت فلسطيني واحد علني صريح، من القوى السياسية فضلاً عن السلطة
والمقاومة، أعلن تأييد صفقة القرن. وفي المقابل، لا يزال حديث السلطة الفلسطينية عن
وقف التنسيق الأمني ورفض التعاون مع الإدارة الأميركية والتلويح بالنضال السلمي، في
الحدّ الأدنى، حبراً على ورق. وإذا كنا نريد أن نكون أكثر وضوحاً وصادقين في النقد
الذاتي، فإنّ الشارع في الضفة الغربية لم يتجاوب على الأرض مع هذا الخطاب السياسي.
والسؤال الذي على السلطة والفصائل والمقاومة أن تطرحه: لماذا لم يتحرّك الشارع بالصورة
المطلوبة للدفاع عن قضيته وحقوقه ومواجهة المخططات الخطيرة؟
بالضرورة لا يحتاج أي مراقبٍ أو محللٍ دلائل ليعرف
أنّ هناك إجماعاً فلسطينياً على رفض الصفقة والضغوط الأميركية على الدول العربية، لتمريرها
عبر بوابة التطبيع، أو ما يسمى "السلام الإقليمي". ولكن حتى يتحرك الشارع،
من الضروري أن يرى هدفاً واضحاً أمامه، وقيادة قادرة على رسم الطريق وتمتلك المصداقية،
وتوافقاً على المطلوب خلال المرحلة المقبلة، لأنّ مثل هذه الحركة ستكون لها كلفة كبيرة
على الفلسطينيين، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وهم الذين دفعوا كلفاً هائلة وقدّموا
تضحيات كبيرة خلال العقود الماضية، فإذا أرادوا اليوم العودة إلى مربع الكفاح، بصوره
وأشكاله المختلفة، فهنالك شروط ومحرّكات وروافع رئيسية مطلوبة.
الكرة اليوم في ملعب السلطة الفلسطينية أولاً، وحركة
حماس (التي تحكم غزة) ثانياً، والفصائل الفلسطينية ثالثاً، لإنقاذ حقوقهم ومصيرهم ومستقبلهم
ورمزية القضية الفلسطينية ومركزيتها، فإذا تحرّك الشارع الفلسطيني وقلب المعادلة، فسيحرّك
الشارعين، العربي والإسلامي، وسيعزّز من الدول والقوى الإقليمية والدولية التي تقف
معهم في الخندق نفسه.
أمّا إذا استمرّ رد الفعل الفلسطيني، وتحديداً على
صعيد السلطة، في المربعات الحالية؛ الحرد والعتب والغضب، والتلويح من دون الفعل الحقيقي
على أرض الواقع، وبقي الانفصال الداخلي، ولم يتم التوافق على تجديد المشروع الفلسطيني،
فذلك كلّه أخطر بكثير من المشروع الأميركي - الإسرائيلي نفسه.
صفقة القرن وانهيار العمق الاستراتيجي العربي محطةٌ
خطيرة، وقد تكون الأخطر، لعوامل متعددة على مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه، ومقدّساتنا،
وعلى المشروع العربي أيضاً الذي وصل إلى مرحلة متقدمة جداً من التفكّك والانهيار.
ذلك كله صحيح، ولكن يمكن تحويله إلى فرصة حقيقية
لتغيير الواقع الراهن، واستثمار الأيام المقبلة لقلب ما اعتبره الرئيس الأميركي، دونالد
ترامب، وصهره جاريد كوشنر، ورقة بيده في الانتخابات الوشيكة، ليكون بعكس ذلك ورقةً
بيد خصومه، في حال اشتعلت الانتفاضة السلمية، وحرّكت معها الشارع العربي، ما يعيد الجميع
إلى المربع الحقيقي للصراع بين شعبٍ يريد تقرير مصيره وحريته واحتلال عنصري.
المصدر: العربي الجديد