هل عودة اللاجئين سيئة لإسرائيل؟
بقلم: ايتان برونشتاين*
نشك في وجود فكرة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني رُفضت وأُهملت الإمكانيات الكامنة فيها مثل فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين. حصر الرفض الإسرائيلي لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بيوتهم منذ نهاية حرب 1948 حتى اليوم كلَّ تناول عام لعودة اللاجئين في الجدل في الحق، ودفع كل تطوير لرؤى وتدبيرات سياسية خارج النقاش العام.
يعلن الفلسطينيون تمسكهم بحق العودة، ويحلمون به، ويحاولون في المدة الأخيرة أيضا تحقيقه بالعودة إلى الأماكن التي طردوا منها، ويتحدون بذلك حدود الدولة اليهودية. الإسرائيليون من جهتهم يرفضون هذا الحق الأساسي، ويعرضون تحقيقه باعتباره سيناريو رعب لآخر الزمان وكارثة ثانية؛ لا أقل من ذلك.
إلى جانب ذلك أخذت تنشأ إمكانية جديدة أشبه بتفكير طوباوي في عودة اللاجئين فلسطينيين بالفعل. ويوجد في هذا قفز على سؤال الحق يقوم في الحقيقة على قبوله ليتم تناول أسئلة تلقيها علينا عودة اللاجئين على نحو عملي.
في فضاء معرض جمعية "متذكرات"، الذي يتناول النكبة وجهد جعل الإسرائيليين يعترفون بها، سيفتتح في 15 أيلول معرض تعرض فيه مشروعات مختلفة تتناول عودة فعلية للاجئين فلسطينيين. ويعرض إسرائيليون وفلسطينيون وغيرهم فيه محاولات أولية لتخيل عودة اللاجئين إلى وطنهم مع الأخذ في الحسبان الواقع القائم الذي تغير جدا منذ حدث الاقتلاع. وهناك فرضيتان أساسيتان لهذا التفكير وهما ألا يُقتلع أي شخص من البيت الذي سكنه وأن اللاجئين وذرياتهم جميعا لهم الحق في اختيار العودة بالفعل.
المشروعات المعروضة متنوعة من جهة التفكير في العودة ومن جهة الإعلام بها. وتعرض بالفيديو مقابلات في الشارع عن العودة مع إسرائيليين ولاجئين فلسطينيين. وكذلك تعرض نتائج ورشة "رسم خارطة مقابلة"، شارك فيها إسرائيليون ومقتلعون من قرية المسخة. وخطط في الورشة لبناء القرية من جديد في المكان الذي كانت فيه، بين رمات هكوفيش وسديه فيربورغ ومشميرت.
يعمل المعرض كورشة يستطيع الزوار فيها طرح أفكار خاصة بهم. وسيكون المعرض مصحوباً أيضاً بسلسلة أمسيات نظرية للجمهور العريض، يُفحص فيها على نحو نقدي عن الأفكار والرؤى. وإلى أهمية مشاركة الجمهور في هذا الشأن يقوم في أساس هذه الفكرة الاعتراف بأن الحديث يدور عن خطوة أولية تتميز بتلعثم ولد يتعلم لغة جديدة. لا يدعي "متذكرات" أنه يعرض أفكارا مكتملة فضلى لعودة اللاجئين الفلسطينيين بل هو في الأساس يعرض الأسئلة التي تثور من ذلك.
كم من اللاجئين يريدون العودة وأين سيعيشون؟ وبماذا سيعملون؟ وماذا سيكون شأن نواة القرية التاريخية؟ هل تبنى من جديد أم يتم الحفاظ عليها بطريقة أخرى؟ وماذا عن اللاجئين الذين لن يختاروا العودة بالفعل؟ وكيف ستكون العلاقة بين العائدين وجيرانهم في البلدات المحيطة؟ وإلى أي نوع من الدولة سيعودون؟ هل إلى دولة يهودية كما هي اليوم، لليهود فقط؟ وهل سيكون العائدون أصحاب بيوتهم بمعنى أنهم يستطيعون بيعها في السوق الحرة؟ وإذا كان الأمر كذلك أفليس في هذا خطر أن تصبح بلدات اللاجئين العائدين قرى عقارات عادية؟ وماذا عن نسيج جماعات اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات وينتمون إلى بلدات أصلية مختلفة؟ هل ستتوزع هذه الجماعات برغم أن الأغلبية منهم لم يعيشوا في البلدات الأصلية وأن الجماعة الوحيدة التي عاشوا فيها كانت في المخيم؟ وكيف سيكون تأثير العودة في المدن والمجتمعات "المضيفة" (دمشق وعمان وما أشبه)؟ وكيف سيستعد اليهود والعرب الذين يعيشون في البلاد لاستيعاب اللاجئين العائدين؟.
أُثيرت في ورشة التخطيط فكرة انه يكمن في عودة اللاجئين الفلسطينيين احتمال انفتاح المنطقة العربية، التي يعيش فيها اليهود، أمامهم. وهكذا ستنشأ علاقات جديدة بين اليهود الإسرائيليين والمنطقة الجغرافية والبشرية التي يعيشون فيها. ربما تبدو الفكرة التي يعرضها هذا المعرض خيالية وحالمة اليوم. لكننا إذا تجرأنا على تخيل مستقبل كهذا لحياة مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبلا خوف فلربما نتعرف فيها إلى احتمال حياة بلا حرب قادمة فقط.
المصدر: صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية
*مؤسس جمعية "متذكرات" والمتحدث بلسانها