«هل
نحن سنّة أم فلسطينيون»؟
بقلم: قاسم قاسم
ارتفع منسوب المذهبية عند
بعض لاجئي المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد الاحداث في سوريا. اما البعض الآخر فقد
«كفر» بالحال التي وصل اليها هؤلاء، معتبرين ان فلسطين اكبر من المذاهب كلها، وهي بالتأكيد
ليست «سنية»..
لا يزال بعض الفلسطينيين
يتصرفون على اساس مقولة سادت خلال الحرب الاهلية اللبنانية، وحار نسبها بين ابو عمار
والمفتي حسن خالد، وهي ان «الفلسطينيين هم جيش السنة في لبنان»، كأن الدفاع عن الطائفة
السنية من مسؤولياتهم! آخرون تعلموا من الماضي، من تلك الحرب تحديداً، وخبروا ان المشاركة
في نزاع ليس نزاعهم، لن تجلب لهم ولمخيمهم سوى الخراب. هكذا، حاول ابناء المخيمات،
ومسؤولو الفصائل منذ عام 2005 النأي بأنفسهم عما يحدث في لبنان. نجحوا في بعض الاحيان،
ووجدوا انفسهم طرفاً في الصراع اللبناني ــ اللبناني، أحياناً اخرى. الا ان المذهب
الطاغي بين اللاجئين، وخصوصاً في المخيمات، أثار «شهية»الاحزاب الطائفية اللبنانية
التي سعت إلى استقطاب هؤلاء. هكذا، نجح تيار المستقبل في جذب بعض لاجئي مخيم شاتيلا
خصوصاً بعد احداث 7 ايار. اما في مخيم برج البراجنة، فإن تيار المستقبل لم يستطع ايجاد
موطئ قدم، بسبب البيئة الحاضنة للمخيم والمؤيدة للمقاومة وتأثر الفلسطينيين بها.
لكن كل هذه المعادلة التي
كانت قائمة لسنوات انقلبت رأسا على عقب بعد الاحداث في سوريا. اذ تحول بعض اللاجئين
من فلسطينيين الى.. سنّة.
كيف يتحول صاحب قضية بحجم
القضية الفلسطينية الى مجرد شخص مذهبي؟ ببساطة اقتنع هؤلاء بأن ما يجري في سوريا هو
استهداف للطائفة. هكذا، أيدوا الحراك السوري وتوجه بعضهم الى الشام للقتال الى جانب
جبهة النصرة دعماً لمشروع قيام الامارة الاسلامية، وعاد بعضهم جثة هامدة.
اما من لم يستطع الى سوريا
سبيلا، فقد التحق بركب الشيخ احمد الاسير او بالمجموعات السلفية المسلحة الموجودة على
حدود مخيم شاتيلا.
حالياً تدور في المخيمات
نقاشات جدية وحادة حول الهوية الفلسطينية. هل نحن سنة ام فلسطينيون؟ «أنظر الى سخافة
ما وصلنا اليه» يقول احدهم، ويضيف «القضية الفلسطينية بحاجة إلى داعمين ومتضامنين من
مختلف المذاهب والاديان، فإذا جعلنا أنفسنا سنّة فقط، نخسر دعم الآخرين لنا». يضيف
الشاب الثلاثيني «في الماضي كان الجميع يتضامن مع الفلسطينيين شيعة، سنة، دروزاً، وملحدين،
اليوم يتصرف بعضنا على اساس انها «قضية السنة» ونصرة أهل السنة اهم من القضية الفلسطينية!».
شاب آخر من ابناء مخيم شاتيلا يتهم «حماس» بالحال الذي وصلت إليه المخيمات من حيث التجييش
المذهبي. يوجه الشاب سهامه الى الحركة الاسلامية الاكبر في المخيمات معتبرا انها «بعدما
كانت حركة نضالية يتضامن الجميع معها، عادت الى اخوانيتها (من جماعة الاخوان المسلمين)،
متناسية انها فصيل فلسطيني، لكل الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، مؤمنين وملحدين». يضيف
«نحن لا نقاتل عدونا لاننا سنّة وهم يهود، ونحن لا نموت دفاعاً عن «سنيّتنا»، قضيتنا
اكبر من هذه السخافات التي ادخلونا فيها».
الانقسام داخل المجتمع
الفلسطيني بالطبع ليس سنياً شيعياً، اذ لا شيعة فلسطينيون. الانقسام الحالي هو بين
مؤيدي «الثورة السورية»، وبين مؤيدي النظام هناك. الفريق الاول يرى ان الصراع هناك
سني ــ شيعي، وبما انهم، اي الفلسطينيين، سنة يجب عليهم دعم التحرك. في حين ان كثيرين
يظنون انهم كشعب مقاوم يجب ان يكونوا مع اي ثورة ولكن يضعون قضيتهم فوق القضايا كافة.
في مخيم شاتيلا حيث سقط
عدد من القتلى الى جانب جبهة النصرة، ازداد منسوب التعصب الطائفي بسبب تأثرهم بمحيطهم.
على باب المخيم وفي بعض ازقته رفعت صور لهؤلاء القتلى. عند سؤال صاحب احد المحلات في
المخيم ان كان «سنيا او فلسطينيا»، يبتسم الرجل ابتسامة من اُمسك به على حين غرة. يجيب
«انا سني فلسطيني». يضيف«كوني سنيّا اهم من كوني فلسطينياً، لأن ما يجري اليوم هو الهجوم
على ديني ومعتقدي ومحاربة قناعاتي الدينية». يضيف «ديني يضمن لي الدنيا والاخرة وليس
كوني فلسطينياً».
هذا التعصب موجود في برج
البراجنة ولكنه ليس معلناً كما في شاتيلا. في مخيم البرج يخشى بعض ابناء المخيم من
محيطهم. وخارج المخيم يخاف ابناء المنطقة من «خروج الفلسطينيين علينا». اما داخله،
فيخاف بعض سكانه من «حرب مخيمات جديدة». حالياً الخوف من الاخر هو سيد الموقف بين الطرفين.
في احد ازقة المخيم تجلس مجموعة شبابية على باب احد المقاهي. يسأل الاول صديقه «شفت
ايش عم يعملوا فينا بسوريا». يجيب «فينا مين قصدك؟». يقول «السنة». يفتح الجواب باب
النقاش واسعاً بين الحضور. «انت فلسطيني او سنّي طول عمرك بتعرفش الله، ايش رجعك سنّي».
يصرخ فيه «انت فلسطيني اكبر من طائفة، انت صاحب قضية اممية، انت مش سني ولا..». تستفز
العبارة الشاب «الله هداني ايش خصك». هنا تبدأ حفلة الكفر والشتم والسباب للمتدين الجديد
«ايش بفيد تكون طائفي سني، فلسطين بدها فلسطينية مش طائفيين».
يصمت الجميع لدى مرور احد
مسني المخيم الذي يحترمه الجميع. الرجل كعادته متوجه لصلاة الفجر في جامع الايمان التابع
للجماعة الاسلامية. يدعو الحضور للصلاة. لا يتحرك احد.. بمن فيهم.. «المتدين الجديد».
بعد مشاركة حزب الله في
معارك القصير وسيطرة الجيش السوري على المدينة، زاد منسوب العداء في بعض الاوساط الفلسطينية
تجاه الحزب. هكذا، اعتبر البعض ان ما قام به حزب الله هو «قتال الشيعة لاهل السنة في
القصير»، آخرون مقتنعون بأن الحزب توجه الى تلك المعركة مكرهاً وذلك «لحماية ظهر المقاومة».
لكن بين هذا وذاك، قامت مجموعة صغيرة من النازحين الفلسطينيين من سوريا والمقيمة في
مخيم عين الحلوة بإحراق كراتين مساعدات ارسلتها لهم المقاومة اللبنانية، ولو بعد إفراغها
من محتوياتها. إثر ذلك، استنفرت قيادات فلسطينية لأن المذهبية بدأت تنتشر بين ابناء
المخيمات..
المصدر: الأخبار