هل يتورّط فلسطينيّو سوريا بالنزاع؟
بقلم: ناجي س. البستاني
يتوزّع الفلسطينيّوّن خارج قطاع عزّة، والضفّة الغربيّة المحتلّة، على ثلاث دول هي الأردن الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين، وكذلك على كل من لبنان وسوريا. ومع تعرّض مخيّم اليرموك في سوريا للقصف أخيراً، وسقوط 21 قتيلاً بين اللاجئين إضافة إلى الجرحى، برزت إلى الواجهة قضيّة الموقف السياسي للفلسطينيّين في سوريا، مما يجري من مواجهات عنيفة بين النظام من جهة والمعارضة المسلّحة من جهة أخرى، والسؤال الكبير المطروح: هل يتورّط اللاجئون الفلسطينيّون في سوريا بالنزاع؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنّ عدد المخيّمات الفلسطينية في سوريا يبلغ 12 مخيّماً، ويتراوح عدد اللاجئين في بعضها ما بين 5000 و10000 نسمة (درعا، جرمانا، خان دنون، اللاذقية)، وفي بعضها الآخر ما بين 10000 و20000 نسمة (حماة، حمص، خان الشيخ، نيرب، قبر الست، سبينة، عين التل). أما المخيّم الأضخم والذي هو عبارة عن مدينة كاملة، فهو مخيّم اليرموك*، الّذي تحوّل بسبب مساحته الجغرافية الكبيرة إلى مأوى للنازحين السوريّين من المناطق المحيطة، وتحوّلت مستشفياته إلى مراكز ميدانية لعلاج المصابين والجرحى. وقامت جمعيّات الإغاثة الفلسطينية والهيئات الطبّية داخل المخيّم، وخاصة الإسلامية التوجّه منها، بمد يد العون لآلاف السوريّين النازحين، من دون استثناء المعارضين منهم، الأمر الذي أغضب القيادات الأمنية السورية. وفي الأسبوع الماضي، تعرّض مخيّم اليرموك لقصف مدفعي أدّى إلى مقتل وجرح عشرات اللاجئين، وأطلق موجة تنديد فلسطينية واسعة، من الرئاسة الفلسطينية ومنظّمة التحرير، وكذلك من حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين طالبتا بعدم زجّ الفلسطينيّين ومخيّماتهم في الأزمة في سوريا. لكن الجماهير الفلسطينية الغاضبة التي شاركت في تشييع ضحايا القصف على مخيّم اليرموك، بدت أقل دبلوماسية، وقام البعض منها بإطلاق هتافات ضد النظام السوري، وضد زعيم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة" أحمد جبريل.
يذكر أنّ "الجبهة" المذكورة هي من المؤيّدين للنظام السوري، ومن المنفّذين لسياساته ولتوجيهاته، إن في لبنان أو سوريا. وفي 6 حزيران من العام 2011، لم يتردّد عناصر "الجبهة" بإطلاق النار على متظاهرين فلسطينيّين كانوا يندّدون بعمليّات الجيش السوري الأمنيّة، مطلقين هتافات رافضة لانحياز القيادات الفلسطينيّة في سوريا إلى النظام. والانقسام على المستوى الفلسطيني إزاء الأزمة في سوريا، توسّع في الأشهر الماضية، بعد اقتحام الجيش السوري لمخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية، ونتيجة اندفاع بعض الفلسطينيّين الشباب من الإسلاميّين في مساندة المعارضة السورية. وللتذكير أيضاً، فإنّه مع بداية الأحداث الأمنيّة في سوريا اتهم الإعلام السوري الرسمي والخاص، مخيّم درعا بإيواء "مخرّبين وخارجين على القانون". ومع كل نزوح سوري إلى داخل المخيّمات الفلسطينيّة هرباً من القصف ومن الاعتقالات، كان يرتفع منسوب التوتّر بين المخيّمات ومحيطها.
وبدا أخيراً الموقف الفلسطيني من الأزمة السورية أكثر ضياعاً وتشرذماً مما كان عليه في السابق، خاصة في ظلّ الإرباك السائد على مستوى تصاريح المنظّمات الفلسطينية، مثل "الجبهة الديمقراطية" و"الجهاد الإسلامي"، وحركة حماس. وبرزت محاولات "جبريل" إظهار كل اللاجئين الفلسطينيّين في سوريا وكأنهم من مؤيّدي النظام، الأمر الذي ردّت عليه السلطة الفلسطينيّة بانتقاد ما وصفته بالدور المشبوه لجبريل وفصيله، داعية الأمم المتحدة إلى توفير الحماية للاجئين الفلسطينيّين العزّل. وبالنسبة إلى حركة حماس التي كانت المستفيدة الأكبر من سياسة النظام السوري، فقد غلب الرابط الديني - المذهبي على الرابط العقائدي لكثير من مسؤوليها، فغادرت قياداتها دمشق وانتقلت إلى القاهرة والدوحة منذ أشهر طويلة، بالتزامن مع إعلان نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق رفض حماس "للحل الأمني في سوريا"، واحترام الحركة "لإرادة الشعب السوري". وفي حين بقيت العديد من القيادات الفلسطينيّة مؤيّدة للنظام في دمشق، بدت قيادات أخرى أقل حماسة وتأييداً، ودعت إلى التزام مواقف حيادية، في حين التزمت قيادات أخرى أيضاً الصمت التام. لكن تداخل المخيّمات الفلسطينية مع محيطها السوري، والانصهار الاجتماعي وحتى العائلي ما بين الكثير من السوريّين والفلسطينيّين، جعل مسألة حياد اللاجئين الفلسطينييّن غير قابلة للتنفيذ الفعلي.
وفي الخلاصة، لقد بات الفلسطينيّون في سوريا اليوم، بين "فكّي كمّاشة" – كما يقال. فمن جهة هم موضع انتقاد من قبل الموالين للنظام السوري، بسبب "موقفهم المتسامح" إزاء المعارضين السوريّين، لجهة تقديمهم مساعدات لوجستيّة وطبّية لهم، والسماح لهم بالاختباء في أحيائهم. ومن جهة أخرى، هم موضع انتقاد من قبل معارضي النظام، بسبب "موقفهم المتخاذل" إزاء الأزمة السورية، حيث لا يشاركون في الحملة الشعبيّة الهادفة لإسقاط النظام كردّ جميل للشعب السوري الذي استضافهم وحماهم. لكن وعلى الرغم من الانقسام في الموقف الشعبي والقيادي الفلسطيني، ومن التباين في النظرة السورية إزاءهم، فالأكيد أنّ الفلسطينيّين في سوريا لن ينخرطوا بشكل واسع في النزاع الدموي المفتوح، ومشاركتهم فيه محصورة حتى إشعار آخر، ببعض المسلّحين الموالين لأحمد جبريل والذين يلعبون دور مخافر النظام داخل المخيّمات، وببعض الشبان الإسلاميّين الذين حملوا السلاح مع المعارضة السورية من "باب الأخوّة المذهبيّة".
• مخيم اليرموك يسكن فيه نحو 350000 نسمة، من أصل أقلّ بقليل من نصف مليون فلسطيني في سوريا ككل، ويمتدّ على مساحة تقدّر بمليونين ومئة ألف متر مربّع، ويقع على بعد 8 كيلومترات من وسط العاصمة دمشق، ويُعتبر ضمن حدودها، وتحديداً بين أحياء القدم والتضامن والحجر الأسود والميدان.
المصدر: النشرة