هل يدخل مخيم برج الشمالي موسوعة غينيس للأرقام القياسية؟
بقلم: محمد السعيد *
تعددت الأسماء لمخيم برج الشمالي الواقع إلى الشرق من مدينة صور، وعلى
بعد ثلاثة كيلومترات منها، يبلغ عدد سكان المخيم نحو 19500 نسمة مسجلين لدى سجلات
«الأونروا»، فمنهم من يطلق عليه باسم مخيم
الشهداء نسبة إلى عدد الشهداء الذين ارتقوا خلال الثورة الفلسطينية.. أو «مخيم الثلاسيميا»،
وربما هو الاسم الصحي لمخيم البرج الشمالي الذي يضم نحو 9% من مرضى الثلاسيميا على
مستوى لبنان.. فهناك أكثر من 150 حالة «تلاسيميا»، فضلاً عن حالات «الآيتيميا»، وهي
أشد وأكثر من حالات «التلاسيميا»، وغالبية حالات «التلاسيميا» تنتج للزواج من الأقرباء،
فيكون هناك إشارة لدى الأم وأيضاً إشارة لدى الأب ويصبح لدى الجنين إشارتين».
يعاني مخيم البرج الشمالي أزمات صحية كبيرة، حيث يعاني الفقر والحرمان
كبقية المخيمات في لبنان، وسلسلة الحرمان هذه لا تكاد تنتهي، وهي تطاول مختلف مناحي
الحياة فيه، ولعل الجانب الصحي هو الهاجس الأكبر لسكان مخيم برج الشمالي الذين يقفون
عاجزين عند أي مشكلة صحية تواجههم، وخاصة أن «الأونروا» لم تقم بواجبها المطلوب تجاههم،
ويعرف مخيم برج الشمالي بأنه «مخيم الثلاسيميا»..
ويعتبر مريض «التلاسيميا» شهيداً حياً ينتظر موعد الوفاة، لأن المصابين
بهذا المرض لا يعمّرون كثيراً، وما يزيد المعاناة صعوبة تأمين العلاج، فوكالة «الأونروا»
لا تعترف بهذا المرض ضمن العلاجات التي تقدّمها للمرضى الفلسطينيين عبر الإستشفاء.
ومرضى «التلاسيميا»، فضلاً عن أنهم يُعانون من هذا المرض، فهم بحاجة الى
علاج دائم ومكلف يُرهق كاهل عائلاتهم، حيث يتحوّل إما الوالدة أو الأشقاء، الى ممرضين
يقدّمون العلاج، بعدما يتعلّمون عليه، نظراً لإستمرار حاجة هذا المريض للعلاج، وبالتالي
ارتفاع كلفة أدويته التي تزيد إرهاقاً من كاهل العائلات.
وقد عانى المخيم بشكل كبير خلال الحرب الأهلية اللبنانية؛ هذا بالإضافة
الى العدوان العنصري والحصار المستمر للمخيم حتى وقتنا الحالي، ولا يزال هناك الكثير
من العمل المطلوب إنجازه من أجل تحسين البنية التحتية.
يعدّ مخيم البرج الشمالي في لبنان المخيم الأكثر فقراً، وذلك عائد لكون
الغالبية العظمى من السكان يعملون في الزراعة والمهن الحرفية، بالإضافة إلى بعض الوظائف
الأخرى.
يعمل كثير من سكان المخيم –رجالاً ونساء- في الحقول والبساتين القريبة
من المخيم، يتقاضى العامل أجراً يومياً قيمته 12 دولاراً تقريباً. وعمل الزراعة هو
عمل موسمي حيث يعمل الشخص حوالى عشرين يوماً فقط في الشهر.
ويعتاش قسم آخر من الناس على مردودات المحال التجارية الصغيرة مثل الأفران
والسمانة والسكاكر والخضار وصالونات الحلاقة وغيرها من الحرف. ويعمل قسم آخر سائقي
تاكسيات ولكنهم يعملون بشكل غير قانوني، لأن معظم سائقي السيارات لا يستطيعون شراء
«نمرة عمومية». ومن اللافت وجود نسبة من الأطفال المتسربين من المدارس، يتوجهون إلى
العمل ويزاولون مهناً وحرفاً لا تتلاءم مع طبيعة الأطفال. وقسم آخر يعمل في الوظائف
الإدارية، ومجال التدريس في وكالة الأونروا، وهم نسبة قليلة جداً.
من يسِر داخل أزقة مخيم البرج الشمالي يلاحظ مدى صعوبة العيش والفقر المدقع
الذي يعيشه هذا المخيم، حيث تصطف البيوت المتلاصقة التي تميزها رائحة الرطوبة القاسية
ويخيم عليها شبح الفقر الذي يطارد السكان ويطبق على صدر الحياة ويضعها في قبضته منذ
النكبة وحتى الآن، حيث معدلات البطالة المرتفعة، والشباب التائهون الذين يملأون الأزقة
و«قهاوي» وساحات المخيم أسوة ببقية مخيمات لبنان التي حالها ليس بأحسن منه. وأينما
تلتفت تجد أطفالاً يبحثون عن الحياة يحاولون انتزاعها من بين الأزقة التي تضيق يوماً
بعد يوم مع الزيادة الطبيعية للسكان، وعلى عتبات البيوت التي تدل على أن هناك الكثير
من البؤس بداخلها ويتجلى ذلك على وجوه الاهالي الذين يتقاسمون معاً هذا البؤس ونظرات
عيونهم تفصح أكثر مما يدلي به اللسان.
فجولة واحدة في المخيم تكفي لمعرفة أن الهمّ والحزن يفوقان بكثير عدد
سكان المخيم المكتظ، وتكفي للخروج بنتيجة واحدة أن سكان هذا المخيم والفقر توأمان.
ويعود ارتفاع مستوى الفقر والبطالة لعدم وجود فرص العمل وسبل العيش الأخرى مفقودة ونتيجة
للغلاء الفاحش في لبنان.
هذا المخيم الذي انطلق منه شرارة الاحتجاجات في المخيمات الفلسطينية بعد
أن أحرق شاب فلسطيني مصاب بمرض التلاسيميا نفسه في منزله لعدم تمكنه من دفع الاستشفاء،
فثار الفلسطينيون غضباً على هذا الواقع المرير وأغلقوا أبواب مكاتب (الاونروا)، وما
لبثت أن توفيت السيدة عائشة حسين نايف بعد أن رفضت (الاونروا) تسديد تكاليف علاجها
السريع التي كانت تحتاجه ووفاة السيدة أم عدنان المصري بعد رفض اعطائها تحويل إلى مستشفيات
صور.
كما رفضت إدارة الأونروا دفع تكاليف علاج الطفلة « لامار مرعي» التي أدخلت إلى مستشفى حيرام في صور جنوب لبنان،
بعد إصابتها بعارض صحي ما أدى إلى إدخالها مستشفى حيرام لتلقي العلاج وهي الحالة الثالثة
من بين اخوتها تدخل المستشفى هذا الاسبوع « حالة اسهال واستفراغ» .
هذا وقامت إدارة مستشفى حيرام باحتجاز الطفلة إلى حين دفع التكاليف من
قبل ولي الأمر بعد رفض وكالة الأونروا بدفع تكاليف العلاج.وكان آخر مسلسل جرائم الاونروا
بسبب التلقيصات الطبية مستمر وفاة اللاجئ الفلسطيني محمد موح 50 عاما اثناء نقله من
مستشفى بلسم التابع لجمعية الهلال الاحمر الفلسطيني في مخيم الرشيدية الى مستشفى حيرام
في مدينة صور..
بعد ان عجز مستشفى بلسم عن علاجه
لعدم توفر المعدات والتجهيزات اللازمة مما ادى الى وفاته على الطريق.
وتم تحويل موح الى مستشفى بلسم الذي لا تتوافر فيه التجهيزات الطبية اللازمة
التزاما بقرارات الاونروا الاخيرة التي تجبر اللاجئين الفلسطينيين المرور عبر مستشفيات
الهلال الأحمر الفلسطيني.
هذا ويشهد مخيم البرج الشمالي في جنوب لبنان حالة من الغضب الشديد على
سياسة الانروا الظالمة.
فهل تستمر هذا المسلسل الإجرامي بحق الشعب الفلسطيني أم ينتهي إلى هذا
الحد.. وهل سيدخل مخيم برج الشمالي موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد وفاة ثلاث لاجئين
فلسطينيين واحتجاز طفلة فلسطينية بسبب تقليصات الأونروا التي فتحت جروح الألم الفلسطيني، ووضعت الفلسطينيين
أمام مستقبل مظلم وتخوف حقيقي من تفاقم هذه الأزمة.
يذكر أن «الأونروا» متعاقدة مع المستشفى الحكومي ومستشفيات الهلال الأحمر،
وسبق وأن كانت تدفع ما نسبه 100% من علاج اللاجئين وفق خطتها في العام 2015، في حين
أصبحت الآن تدفع 95% لمستشفيات الهلال من قيمة الفاتورة و85% للمستشفيات الحكومية و
80% للمستشفيات الخاصة وفق خطتها للعام 2016.
* مدير
شبكة لاجئ نت