القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

هل يكون الفلسطينيون ضحية للصراع في سوريا؟

هل يكون الفلسطينيون ضحية للصراع في سوريا؟
 

بدأت ألسنة اللهب تقترب من مخيم اليرموك مع وجود أصابع خفية تريد أن تجر الفلسطينيين إلى الحريق السوري. ذلك ما قاله المحلل الفلسطيني رشاد أبو شاور لصحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية في نسختها الصادرة يوم 20 يوليو 2012. يعتبر «اليرموك» أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا حيث إن عدد سكانه يناهز ربع إجمالي اللاجئين الفلسطينيين في سوريا - أي قرابة 500 ألف نسمة. رغم وطأة الذاكرة والتشديد على حق العودة فإن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يمثلون عامة مجموعة سكانية مثل سائر الجماعات الأخرى.

بطبيعة الحال، عبارة «عادي» لا تنطبق على اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية. فقد كتب الأديب الروائي الفلسطيني الشهير غسان كنفاني يقول: «آه أيها الفلسطينيون، حذارِ من الموت الطبيعي». فقد كان هذا الأديب الموهوب يقول إن شعبه يتحسب لكل الاحتمالات. لقد اغتيل الروائي غسان كنفاني نفسه صحبة قريبة له في تفجير سيارته، وهي العملية التي دبرها جهاز الموساد الاسرائيلي في بيروت في شهر يوليو 1972. لا يمكن للاجئين الفلسطينيين في سوريا أن يعيشوا خارج مربع الخوف والغموض وغياب الأفق أمامهم. لقد تعلم إخوانهم في لبنان الدرس نفسه قبل عدة سنوات.

كان اللاجئون الفلسطينيون أيضا من ضحايا حرب الخليج الأولى سنة 1991 حيث اتهموا مع عدة جماعات أخرى بالتعاطف مع صدام حسين. تعرض اللاجئون الفلسطينيون في العراق إلى سوء المعاملة خلال الغزو العسكري الأمريكي سنة 2003 علما أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق يعتبر محدودا. أنا لا أزعم أن الفلسطينيين كانوا الوحيدين الذين عانوا جراء الحرب بل إنني أقول إنهم الأكثر معاناة وتعرضا للخطر لأنهم لم يكونوا يملكون أي خيارات متاحة أمامهم. فهم بلا وطن يجدون فيه الملاذ. إن أغلب الدول العربية تمنح اللاجئين الفلسطينيين الوضع القانوني الهش تحت عناوين مختلفة من أجل احتوائهم والتحكم فيهم بكل سهولة. لقد تفاقمت محنة اللاجئين الفلسطينيين بسبب الحرب التي غذت موجات النزوح الجماعية. قبل الغزو العسكري الأمريكي سنة 2003 كان عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق يناهز 35 ألف نسمة ولم يتورطوا قبل ذلك التاريخ في أي مشاكل أو يثيروا أي جدل سياسي.

عندما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة جورج بوش على غزو العراق أصبح اللاجئون الفلسطينيون هدفا سهلا للميليشيات العراقية المسلحة بمختلف مشاربها، والقوات الأمريكية والعصابات الاجرامية وقد قتل الكثير منهم. لقد حاول الكثير من اللاجئين الفلسطينيين الآخرين البحث عن ملاذ آمن في مناطق أخرى من العراق لكن من دون جدوى حيث وجد آلاف منهم أنفسهم مشردين بعد أن تقطعت بهم السبل وانتهى بهم الأمر في مخيمات اللاجئين على الحدود مع سوريا والأردن. لقد تجلى البعد المأساوي في حياة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.

أما اليوم فإن الوضع في سوريا قد يزداد سوءا وتتفاقم معه مأساة اللاجئين الفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى. من الناحية التاريخية كانت هناك دائما بعض الحساسية بين سوريا وبعض الفصائل الفلسطينية- من بينها حركة فتح التي تهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى البرودة في العلاقات بين السلطة الفلسطينية في رام الله وبين نظام دمشق البعثي. سعت سلطات دمشق إلى الانتقام من منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات والسلطة الفلسطينية من خلال احتضان الفصائل الفلسطينية اليسارية الراديكالية على مدى السنوات الماضية علما أن حركة حماس لم تنقل مكاتبها إلى دمشق إلا بعد أن ساءت علاقتها مع الأردن. في الأشهر القليلة الماضية قررت حركة حماس إخلاء مكاتبها في دمشق حيث أصبح يصعب عليها العمل وسط الضغوط التي كانت تدفعها لاتخاذ موقف من الأزمة السورية الراهنة. لقد حاولت حركة حماس أن تتخذ موقفا وسطا مقبولا، تدعم الشعب السوري وتناهض أي تدخل أجنبي من شأنه أن يضعف سوريا، غير أنها فشلت في سعيها لاتخاذ منزلة بين المنزلتين.

لقد ظلت بعض الحكومات العربية تضغط على مسؤولي حركة حماس من أجل اتخاذ موقف من الأزمة السورية الأمر الذي اضطرهم في نهاية المطاف إلى مغادرة سوريا. لقد تجلى الخطاب السياسي الاستقطابي في التعبير عن المواقف من الأزمة السورية الراهنة. أما الفلسطينيون فقد وجدوا أنفسهم في خضم حالة الاستقطاب التي تسود الدول العربية من شرقها إلى غربها. لم تخدم قناة الجزيرة مصلحة الفلسطينيين حيث إنها ظلت تصر على حشرهم في سياق الأزمة السورية. إن القائمين على قناة الجزيرة يدركون جيدا ما سيحل باللاجئين الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل عندما ينتهي الصراع في سوريا. لذلك يجب على وسائل الإعلام العربية أن تحيد باللاجئين الفلسطينيين عن تطورات الأزمة السورية المتفاقمة.

لقد أصبح الفلسطينيون بطبيعتهم مستهدفين حيث أن ثلاثمائة منهم قد قتلوا منذ بدء الصراع في سوريا قبل نحو ستة عشر شهرا. لقد قالت السلطة الفلسطينية إنها تجري اتصالاتها مع السلطات السورية من أجل ضمان سلامة مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين وقال إن حالات قتل عديدة قد استهدفت اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك على وجه الخصوص. لقد حملت وسائل الإعلام العربية المناوئة لنظام بشار الأسد الأجهزة الأمنية السورية المسؤولية عن استهداف وقتل اللاجئين الفلسطينيين فيما تروي وسائل إعلام عربية أخرى قصة أخرى مختلفة. قال خالد أبو تومة في صحيفة جيروزاليم بوست في عددها الصادر بتاريخ 20 يوليو 2012: «لقد قتل ستة عشر من أعضاء جيش تحرير فلسطين المدعوم من السلطات السورية حيث اعترض مسلحون الحافلة التي كانت تقلهم واختطفوهم. تم العثور على جثثهم بعد ذلك في منطقة زراعية قريبة من دمشق وقد ذبحوا من الوريد إلى الوريد».

أصدرت قيادة الجيش السوري الحر بيانا بتاريخ 16 يوليو 2012 اعتبرت فيه أن «القادة الفلسطينيين على الأراضي السورية والموالين لنظام بشار الأسد يمثلون هدفا مشروعا...». وبما أن التعاون بين الفصائل المختلفة المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا يعود إلى عقود ماضية فإن مثل هذا البيان الصادر عن قيادة الجيش السوري الحر أشبه بدعوة لقتل العديد من الفلسطينيين في سوريا. في الواقع فقد لعب جيش تحرير فلسطين دورا رمزيا ليس إلا منذ تأسيسه. فهو لم يشارك في أي عمليات عسكرية تذكر، سواء داخل سوريا أو خارجها، لذلك فإن تصفية هؤلاء الرجال الستة عشر إنما هي محاولة ترمي إلى معاقبة الفلسطينيين الأبرياء. قد يتعرض الفلسطينيون إلى التشريد من جديد ويجدون أنفسهم بالتالي ضحية أجندات وحسابات متقاطعة ومتناقضة مع ازدياد الأوضاع خطورة. يجب على كل الفصائل الفلسطينية أن تضع مصالحها الشخصية جانبا وتوحد صفوفها وتعمل على حماية مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.

تتمثل المهمة الأساسية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتمكينهم من أساسيات الحياة. يجب على الأونروا أن تتحرك الآن من اجل حماية اللاجئين الفلسطينيين تحسبا لأي سيناريو مستقبلي قاتم. أما جامعة الدول العربية التي لم تفعل أي شيء يذكر لحماية اللاجئين الفلسطينيين الذي كانوا دائما ضحية الصراعات الاقليمية الماضية فإنه يتعين عليها اليوم أن تتحرك بسرعة وتكفر عن خيباتها الماضية. لا شيء على الإطلاق أسوأ من لاجئ يجد نفسه وقد تقطعت به السبل من جديد ويذهب ضحية صراع لا ناقة له فيه ولا جمل. فوضعه القانوني سيظل دائما لاجئا بلا وطن أو عنوان أو دولة توفر له الملاذ الآمن. يجب على وسائل الإعلام العربية أن تدرك أن الزج بالفلسطينيين في الصراع الدامي في سوريا هو بمثابة التخطيط لكارثة حقيقية وخيمة العواقب.

* مسؤول تحرير موقع «يوميات فلسطينية» على شبكة الانترنت ومؤلف كتاب : «الانتفاضة الفلسطينية الثانية» و«أبي كان مناضلا من أجل الحرية». آيرش تايمز
 
المصدر: أخبار الخليج