هموم لاجئ
بقلم: إبراهيم العلي
اللاجئون الفلسطينيون فئة من أبناء الشعب الفلسطيني كُتب عليهم أن يعيشوا تحت وطأة هذه الكلمة وما تحمله من مترادفات قد يتفهم البعض المعنى الحقيقي لها، إلا أن الأكثر فهم المعنى السلبي الذي روجت له عملت على ترسيخه مكنات الدعاية الصهيونية فارتبط بذاكرة الكثيرين في الدول المضيفة أن مجتمع اللاجئين مجتمع فاسد تسوده القيم السلبية والعقائد المهترئة، فما زلت أذكر يوم جاءني صديق من أهل البلد يطلب مني اصطحاب بعض شباب المخيم لضرب عمه الذي بدأ يضارب عليه في المشروع التجاري الذي شرع فيه.
ففكرت يومها ملياً لماذا اختارني أنا دون زملائي الآخرين، ولماذا أنا وهو يعلم أنني أحمل ذات الشهادة العلمية التي يحملها والتي تنأى بنا عن سلوك طريق الزعران والبلطجية. ثم لماذا اختار لهذه المهمة شباب من المخيم؟ ألآن المخيم أصبح العنوان العريض لوجود هذه الفئة أو تلك؟ لماذا لا يُكن الأخر لنا الاحترام؟ لماذا ينعتنا بصفات ساقطة وألقاب لا تليق؟ يا ترى هل نستطيع الدفاع عن أنفسنا؟ وهل سنكون صادقين في دفاعنا هذا؟ وهل الشباب في المخيم على قدر من الالتزام يجعلنا ننافح وندافع عن سمعته، أم أنه فعلاً كما يقولون عنه: شباب المخيم محشش محبحب جاهز للضرب والعراك؟ وهل بناتنا في المخيم أصبحن يأمنّ على أنفسهن الخروج إلى الشوارع دونما التعرض للأذى بحده الأدنى أي أذى الكلام الجارح؟ وهل استطاع الشباب الصمود أمام ما تعرضه الفتاة المتبرجة من مفاتن؟ هل محص الآباء بلباس بناتهم قبل أن يخرجن من المنزل؟ أو هل الأمهات اللواتي تسوقن لبناتهن الألبسة اختارت لهن اللباس الفضفاض الذي لا يصف ولا يشف أم اكتفت بحجة أنهن لم يجدن في السوق غير ذلك ومن ثم استطعن إقناع الآباء بها؟ فهل غادرتنا القيم فعلاً؟ أم تغيرت جيناتنا فأصبح منا كل أولئك. هل ما يجري في المخيم تطور طبيعي يصيب كل المجتمعات أم أنه مدروس ويسير بخطى لا تحيد كخطى العالم الواثق المتوجه نحو هدفه؟ لماذا نلمس عند بعض شباب المجتمعات التي هي على بعد خطوات من المخيم الرقي والأدب؟ ونفتقده عند غالبية شبابنا؟ قد يصفني البعض بالمبالغة والاستطراد في التشاؤم، إلا أنني لدي من الأسباب ما أبرر به سواد نظرتي إلى المخيم، فمن يبرر تدخين الأطفال في شوارع المخيم؟ ومن ينفي سكر وعربدة اليافعين، ومن يستطيع القول أنه لم يصطدم بمنظر تسكع البنات والشباب في الزوايا المظلمة والحارات المغلقة؟ ومن ينكر أن مشاجرات شباب المخيم غالباً ما تنتهي في معظمها بالقتل أو بالإصابة بالعجز الدائم؟ أنا شخصياً لا أبرء نفسي من المسؤولية كما لا أبرء كل من يستطيع أن يفعل شيء في سبيل تبديل هذا المشهد القاتم الذي أنصبغ فيه المخيم ابتداءً بأصغر فرد فيه وانتهاءً بأكبر فرد مروراً بكل من يستطيع أن يقدم أي شيء يمكن من خلاله النهوض بالمخيم وتغيير الواقع السيئ الذي إنساق إليه الناس، فلا يستصغرن أحد أي عمل ولنتذكر أن أصل الجبل حبة تراب.
فالمخيم كما يضم في ثناياه أولئك الذين وصفناهم فهو يضم أيضاً المثقف والواعظ والأديب والمعلم إلا أننا لا نجد لهؤلاء الأثر الواجب أن نلمسه فلو عمل كل واحد منهم على نطاق حيه أو محلته لعم الخير على الجميع، إلا أننا للأسف نجد أن هؤلاء قد انسحبوا من ساحة العمل وانغلقوا وتقوقعوا على أنفسهم وانتشرت بينهم ثقافة " ما دخلنا " حتى بتنا نجد أن البلاء قد امتد إلى أبناء بعضهم، فلا يكفي للارتقاء بالمجتمع وجود الصالحين فقط بل نحن بحاجة ملحة إلى وجود الصالحين المصلحين حتى نتجنب الهلاك الذي وعد الله به تلك القرى في قوله عز وجل ((ما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)). "هود 117"
المصدر: (واجب)