هي أزمة «فتح» قبل أن تكون أزمة مخيم عين الحلوة
بقلم: خالد حسن
ما يشهده مخيم عين الحلوة هو نتيجة أزمة تعيشها فتح، وصنعتها، منذ سنوات طويلة،
انعكست سلباً على أمن المجتمع واقتصاده ومستوى التعليم، وحتى القيم نفسها.
في عام 66، يوم لم يكن هناك لحركة فتح في لبنان سوى 80 عضواً، كان الكل يخشاها،
أو بالأحرى يحترم أداءها، حتى لو اختلف معها. "هل رأيت الفدائيين في الليل؟"،
هو سؤال كان يتكرر لدى الناس، كأنهم يتحدّثون عن جيوش ستصحح للتاريخ مسار عجلاته. كانوا
يومها ثمانين، لكن الحلم كان أكبر بكثير.
كانت الشُعب التنظيمية القليلة العدد في المخيمات، جلّها من المثقفين، لم يلتفتوا
يومها لأزمة فصل اللجنة المركزية لحركة فتح لياسر عرفات. كانوا متيقّنين أن شخصاً أو
أشخاصاً لن يحرفوا المسار في الوصول للتحرير والحرية.
كانوا في عين الحلوةينتفضون سراً أو علناً. يتحدّون السلطة القائمة، يسمّون
أبناءهم باسم جلال، تيمنا بجلال كعوش، ابن مخيمهم، الذي فجر السفارة الفرنسية في بيروت
عام 1957انتصاراً لثورة الجزائر. ثم فرّ من السجن، وانضم لحركة فتح عام 65، لكن السلطات
اللبنانية اعتقلته، ومات تحت التعذيب. كان الحلم أن يصبح أكثر من جلال ليكمل المسيرة،
لكن..
تسيطر حركة فتح على مخيمات لبنان، تهجر النخبُ الحركة هرباً من الفساد المستشري،
بعدما كانت الحركة تسيطر على مجلس طلاب الجامعة الأميركية عام 1972. وبدلاً من أن تكبر
حالة جلال. تتتضخم حالة أبو الزعيم، رمز الفساد في حركة فتح، برضا من القيادة.
ما أصبح تريده "فتح"، هو ميليشيا تسيطر على الحواري وزواريب المخيم،
لا مثقفاً يسعى لتنميته. بعدما كان التعليم هو الذي يقود البندقية، أصبحت البندقية
طاردة للتعليم والثقافة، ألم يكن ياسر عرفات يسخر من خريجي جامعة أكسفورد، كما يقول
المفكر أنيس صايغ في مذكراته؟
تبتعد شعارات التحرير عن أدبيات فتح، ليحل محلها "الدولة المستقلة"،
منتصف السبعينيات. يضيع الحلم، ليبدأ البحث عن تحقيق المكاسب الآنية. مليارات تتدفق
ليزداد الفساد، ويبتعد حلم الكثيرين. تُرك الفلسطينيون فقراء في مخيماتهم، ونشأت بورجوازية
فتحاوية جديدة، ليس لها من المواهب غير طول يد، ومحدودية عقل، وغياب ضمير. ينتقل النضال
من العرقوب إلى شارع الحمراء في بيروت.
وتبقى أحياء عين الحلوة كما هي؛ بفقرائها وحاجاتهم، وانقسامات استجدّت، لم تكن
في زمن طهارة الحلم. وكأي فساد سياسي، وُجدت قيم جديدة، قيم الارتزاق السياسي، وغياب
القانون، وتقديس الفوضى "وكل واحد بشطارتو". وبعض من كان يدفع ماله القليل
لبناء مكتب لحركة فتح عام 69، أصبح يسعى إلى سرقة مواد بناء ملجأ له. إنه انقلاب قيم
صنعته فتح. لا حاجة لمقاتلين الآن، فما تم استيراده من عناصر من بنغلادش يكفي، والجملة
الأثيرة "فتح كومباني"، تحدث بها الأسرى البنغلادشيون.
جاء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، فتيان في عين الحلوة لم يلتفتوا إلى هروب
قائد جبهة الجنوب الحاج إسماعيل، ولا قادتهم الآخرين. صمدوا وقاتلوا، رغم تدمير المخيم
فوق رؤوسهم. يأتي عام 1985، دون أن تراجع "فتح" أداءها في بيروت، ولا حتى
تقيّم دوافع كل الانشقاقات عنها، ولم تحاسب، بل خرجت بشعار آخر: "الحفاظ على القرار
الوطني المستقل".
تستمر التجاوزات، في عين الحلوة الاغتيالات الداخلية في فتح تتصاعد، تخرج الرشاشات
الثقيلة المحمولة فتُغلق مدينة صيدا، اشتباكات دائمة تمتدّ إلى هذه المدينة اللصيقة؛
توأمة عكا. لا حساب. ولم يسكته المال أسكته الرصاص.
يأتي سلطان أبو العينين على رأس القيادة الفتحاوية في لبنان، يستشري الفساد
أكثر فأكثر. وكان طبيعياً أن تصبح "فتح" في مخيم عين الحلوة شللاً وزمراً
وجماعات، تسعى إلى السيطرة واكتناز المال، بارتباطات خارجية ليست مصلحة المخيم ضمن
أجندتها. يهدّد أحد قيادة هذه الجماعات الفتحاوية "اللينو"، بأنه سوف
"يقطع رأس الجماعات التكفيرية" في المخيم، فتُقطع ذراعه اليمنى في اليوم
التالي؛ طلال الأردني. ثم يهدد بتصفية الجماعات الإرهابية، فيُقتل بعدها حوالي عشرة
فتحاويين.
من يسعى لإصلاح أوضاع مخيم عين الحلوة، عليه أن يُصلح أوضاع حركة "فتح"
أولاً، فهي الأزمة.