القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

هيئة فلسطين الخيرية: ريادة في العمل الخيري وترسيخ لمفهوم العمل التطوعي

هيئة فلسطين الخيرية: ريادة في العمل الخيري وترسيخ لمفهوم العمل التطوعي

بقلم: فايز أبو عيد

شهد المجتمع الفلسطيني انتعاشاً كبيراً في عمل المنظمات الأهلية واللجان الشعبية، التي نشأت إثر نكبة عام 1948 ونتيجة لحالة التشرد والضياع وحالات الفقر التي رافقت الشعب الفلسطيني في رحلة تيه اللجوء. لذلك، كان من الطبيعي ـ والحالة هذه ـ أن تنشأ في المخيمات الفلسطينية في الشتات والمهجر عشرات الجمعيات والمؤسسات الأهليــة والإغاثية والجمعيات الخيرية واللجان المستقلة المتخصصة التي أخذت على عاتقها تقديم قسط كبير من الخدمات والمهمات الاجتماعية والإنسانية والوطنية التي تُعنى بتقديم كافة الخدمات الصحية والتثقيفية والوطنية وإذكاء روح التطوع والعمل لتقديم المعونة والمساعدة لأبناء الشعب الفلسطيني.

لذلك نرى أن هذه المؤسسات الأهلية الفلسطينية في دول الشتات قد تفردت عن مثيلاتها في البلدان العربية والعالم، وهذا ما بدا جلياً عندما احتضنت المخيمات الفلسطينية في سورية آلاف الوافدين السوريين الذين نزحوا من المناطق المجاورة لهذه المخيمات، طلباً للأمان فيها، وكان يحسب لفلسطينيي سورية تلك اللهفة والدقة والتنظيم وسرعة الحركة في إيواء أهلهم الوافدين إليهم واحتوائهم، حيث فتحت البيوت والمدارس والجوامع لهم، وتقاسموا معهم كسرة الخبز. ومن جهة أخرى ما كان هذا ليتم لولا المبادرات الفردية لأهل المخيمات ووجود حالة من الوعي والتدريب والتأهيل عند الشعب الفلسطيني. وذاك الوعي والتنظيم هو بفضل تلك المؤسسات ولجان العمل الأهلي والخيري والإغاثي التي غرست ثقافة التطوع والعمل عند اللاجئ الفلسطيني. لذلك، ولمعرفة دور هذه المنظمات وكيفية عملها وما قدمته على أرض الواقع، وخاصة في الأزمة السورية واستقبالها للآلاف من الوافدين السوريين، كان لا بد من تسليط الضوء على بعض هذه المنظمات واللجان الأهلية، من خلال عمل هيئة فلسطين الخيرية التي قامت هي وكافة هذه اللجان والمنظمات بجهود كبيرة وجبارة تحسب لها في تقديم الخدمات لأهلنا الوافدين إلى المخيمات الفلسطينية.

هيئة فلسطين الخيرية دليلك إلى الخير

منذ التأسيس، كان هدف هيئة فلسطين الخيرية وبوصلتها، مد يد العون لأبناء الشعب الفلسطيني ومساعدتهم والاهتمام بهم وتنمية قدراتهم وإمكاناتهم ليكونوا عنصراً فعالاً في المجتمع، قادرين على مساعدة أنفسهم وأهلهم وغيرهم من خلال البرامج التأهيلية والتعليمية والتدريبية. وعملت الهيئة على تمكين مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين حتى تستغني عن المساعدات الخارجية، وتعتمد على نفسها وتصير مستقلة قادرة على العيش بكرامة، وذلك من خلال مشروعات تنموية إنتاجية توفر فرص عمل للمحتاجين، فتقضي على البطالة، وتُسهم في التحسن الدائم لأوضاعهم المعيشية.

وتقوم كذلك بزيادة الوعي بالممارســــات التطوعية وأعمال البر والخير، وذلك لجذب المتطوعين والمتطوعات للمشاركة في أعمال الهيئة الخيرية. ومن أهم المشاريع التي تقوم بها هيئة فلسطين الخيرية (مشروع الرعاية الصحية، مشروع كفالة ورعاية الأيتام، مشروع كفالة ورعاية الأسر، مشروع الحقيبة المدرسية، مشروع إفطار الصائم، مشروع الطرود الغذائية، صندوق الطالب الفلسطيني، مشروع إعفاف الشباب، مركز زهر الحنون).

أما بالنسبة إلى تمويل هيئة فلسطين الخيرية، فهي لا تعتمد على مصدر واحد للتمويل، وتقبل جميع أنواع التبرعات والمساهمات المتفقة مع رسالتها الخيرية، فتقبل الصدقات والزكوات والأوقاف والمنح والوصايا والهدايا والهبات ونحوها. وكذلك تقبل الهيئة الصدقات المخصصة لخدمة غرض محدد مثل: رعاية الأيتام أو تنفيذ مشروع خاص (بناء مسجد أو مستوصف طبي أو حفر بئر ونحو ذلك من الأعمال الخيرية).

صنعت الأمل رغم الآلم

منذ بداية الأزمة السورية، استشعرت هيئة فلسطين الخيرية مدى الظروف الصعبة التي سيمر بها الشعب السوري واللاجئ الفلسطيني، لذلك عملت على تأهيل كوادرها من المتطوعين وتدريبهم، حتى يكونوا على استعداد لتقديم يد العون وإغاثة إخوانهم في حالات الطوارئ. وبالفعل استطاعت هيئة فلسطين الخيرية أن تكون من أوائل اللجان ومنظمات العمل الأهلي والخيري والإغاثي التي مدّت يد العون وساعدت أهلنا في مخيم الرمل الفلسطيني بمحافظة اللاذقية، من خلال إرسالها حملات إغاثة إلى المخيم، تضمنت أغذية وأدوية ومستلزمات طبية وصحية، وأغذية للصغار وعلب حليب وغيرها، ومن ثم وضعت بصمتها في مخيم العائدين بمحافظة حمص، ومخيم العائدين بمحافظة حماه عندما نزح إليهما سكان المناطق المجاورة، فلم تميز بين سوري وفلسطيني، فقامت بتسيير قافلة مساعدات غذائية تحتوي على كميات من المواد الغذائية الأساسية والضرورية، كالخبز والرز والسكر... إلخ)، كذلك أرسلت العديد من المساعدات النقدية للأسر الفلسطينية، لتساعدهم في محنتهم وتخفف عنهم مصابهم.

ومع اتساع المناطق المنكوبة والمتضررة في سورية، امتدد عمل الهيئة ليشمل مناطق الجنوب السوري، كمخيم مزيريب في محافظة درعا ومخيم الطوارئ، فسارعت الهيئة إلى الوقوف على الجانب الإنساني في هذه المخيمات، فأرسلت معونات غذائية وطبية ومادية، وذلك لما سببته هذه الأزمة من تدمير لبعض البيوت والمعامل والمصانع، ما أدى إلى انتشار البطالة والفقر.

بعد ذلك، وفور وصول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين القاطنين في مخيم درعا والهاربين من جحيم الموت هناك، سارعت هيئة فلسطين الخيرية، بالتعاون مع بقية المنظمات الأهلية في مخيم اليرموك، إلى تقديم سلة غذائية عاجلة وبعض المواد الطبية وتوفير المسكن لهم.

أما حين امتدت كرة النار لتشمل دمشق وريفها وما نجم عنها من حالات نزوح بأعداد كبيرة من المناطق المجاورة للمخيمات الفلسطينية، وخاصة مخيم خان دنون وجرمان وخان الشيح ومخيم اليرموك الذي استقبل آلاف النازحين السوريين والفلسطينيين من التضامن والحجر الأسود والميدان والقدم ودوما وغيرها من المناطق السورية المتضررة، فهنا كان لهيئة فلسطين الخيرية بالتعاون مع كافة المنظمات الأهلية ولجان الإغاثة والجمعيات الخيرية الدور الكبير في توفير الخدمات لهؤلاء الوافدين السوريين الذين عوملوا كأهل بيت، لا كضيوف أو نازحين على هذه المخيمات، ففتحت لهم أبواب البيوت والمساجد، وكسرت من أجلهم أقفال المدارس لاستقبالهم واحتضانهم. ونتيجة للأعداد الكبيرة، بادرت هيئة فلسطين الخيرية بالتعاون مع الهيئات والجمعيات الخيرية ولجان العمل الإغاثي في المخيم، وبالتعاون مع الأونروا، إلى تشكيل لجان عمل إغاثي في تلك المدارس، لتقديم كافة الخدمات لهم، فكانت هناك لجنة للتوثيق والإحصاء، مهمتها إحصاء عدد النازحين في المساجد ومراكز الإيواء والمدارس، لتحديد احتياجاتهم من مأكل ومساعدات طبية وغذائية وتوفيرها. كذلك شُكِّلت لجنة طبية، هي عبارة عن صيدلية وعيادة طبية تحت إشراف أطباء ومتطوعين من هيئة فلسطين الخيرية، حيث قدمت الهيئة مساعدات عينية وطبية لعدة مراكز مهمة في مخيم اليرموك، ولا سيما مشفى فلسطين ومشفى الباسل. وتأتي هذه المساعدات ضمن سلسلة الحملات التي تنفذها الهيئة الخيرية على الصعيد الخيري والطبي في مختلف المخيمات الفلسطينية في سوريا لتوفير المستلزمات وتعويض النقص الحاصل في المراكز الصحية.

وكانت هناك لجنة طعام مسؤولة عن توفير وجبات الطعام للوافدين المقيمين في جميع مراكز الإيواء، وقد استطاعت لجنة فلسطين الخيرية أن تقدم أكثر من 1500 وجبة طعام للمدارس في مخيم اليرموك وحده، هذا غير 1100 وجبة قدمتها مسبقاً في مخيم العائدين بحمص وغيره من المخيمات الفلسطينية. وهناك لجنة للدعم النفسي، وقد قدمت هيئة فلسطين الخيرية العديد من الأنشطة التي تهدف إلى تحسين الحالة النفسية للأخوة الوافدين والمقيمين في مراكز الإيواء.

حملات ونشاطات متميزة

مخيم اليرموك هو المحطة الأساسية لعمل كافة اللجان والمنظمات الأهلية، نظراً إلى كثافة عدد النازحين إليه. لذلك قامت العديد من النشاطات والمبادرات الترفيهية والتوعوية بهدف تخفيف العبء النفسي وهول ما شاهدوه في مناطقهم؛ فقد قامت هيئة فلسطين الخيرية بالعديد من النشاطات والحملات التي تهدف إلى خدمة الوافدين وخدمة المخيمات الفلسطينية.

ومع تردي الأوضاع الخدمية في مخيم اليرموك، الناجمة عن الأزمة التي ألمّت به، أدى ذلك إلى تراكم النفايات في حارات المخيم وأزقته وشوارعه. وخوفاً من انتشار الأمراض والأوبئة، وحفاظاً على الصحة العامة، شاركت هيئة فلسطين الخيرية جنباً إلى جنب مع أبناء شعبها الفلسطيني والمؤسسات الأهلية والخيرية في مخيم اليرموك للمحافظة على نظافة المخيم في الحملة الأهلية للمحافظة على نظافة مخيم اليرموك تحت شعار "المخيم بيتك فحافظ على نظافته".

انطلقت الحملة يوم السبت 11/8/2012 م، وهدفت إلى المحافظة على النظافة والحدّ من انتشار القمامة في مخيم اليرموك. وقامت اللجان الأهلية والمؤسسات الخيرية بحملة توعية لأبناء المخيم لمكافحة هذه الظاهرة لترسيخ التعاون بين الجميع، ووزعت النشرات والبوسترات على الطرقات ليصل صوت الحملة لأكبر عدد ممكن من أبناء المخيم.

كذلك قامت الهيئة بالعديدة من النشاطات الترفيهية والتوعوية والرياضية، وساهمت في معالجة بعض حالات الهلع والخوف عند بعضهم، ورفهت الهيئة عن أطفال النازحين من خلال الألعاب والنشاطات الرياضية والرسم، وقدمت لهم الهدايا الرمزية. وكان لحملة النظافة التي أقامتها هيئة فلسطين الخيرية في مدرسة القسطل بمخيم اليرموك تحت عنوان "النظافة في عيون الأطفال" والتي استمرت لثلاثة أيام، شمل اليوم الأول منها حلاقة للشعر وقص للأظفار، واليوم الثاني خصص للعناية بنظافة الأسنان. أما اليوم الثالث، فقد قُدمت محاضرة عن الأغذية الصحية وغير الصحية، وتركت أثراً طيباً في نفوس الأطفال وذويهم، هذا بالإضافة إلى العديد من النشاطات التي دأبت هيئة فلسطين الخيرية على تنفيذها والاستمرار بها من أجل زرع البسمة والأمل على مبسم الوافدين والقاطنين في مراكز الإيواء، وكل ذلك بهدف تخفيف محنتهم التي يمرون بها.

المصدر: مجلة العودة، العدد الـ60