القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

وثائق سفر لاجئي فلسطين... للعرض فقط

وثائق سفر لاجئي فلسطين... للعرض فقط

بقلم: محمود زغموت

مع كل أزمة داخلية تمر بها دولة من دول الطوق أو الدول العربية المستضيفة للاجئين الفلسطينيين، تطفو على السطح مرة تلو الاخرى مسألة عجز اللاجئ الفلسطيني حامل الوثيقة الصادرة عن بلد اللجوء عن التنقل أو الفرار بروحه وهو يبحث كغيره من سكان البلد عن ملاذ آمن يقيه وأسرته ويلات الصراع.

حدث هذا خلال سنوات الحرب اللبنانية الطويلة، وكذلك خلال حرب الخليج، وأيضا منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق حيث لاتزال معاناة الفلسطيني العراقي مستمرة إلى يومنا هذا، ولعل ما يحدث اليوم للاجئين الفلسطينيين في سوريا هو حلقة مأساوية أخرى تتصل بهذه السلسلة الطويلة من المآسي والعذابات التي يتكبدها اللاجئ الفلسطيني فوق كل أرض وتحت كل سماء في هذه البلاد التي يفترض أنها تشاركه المعتقدات والتاريخ والمصير المشترك، ولم يفصلها عنه تاريخيا إلا ما خطه وزير الخارجية البريطاني ونظيره الفرنسي باتفاقهما سيء السيط منذ مائة عام مضت، والذي قسم البلاد ولاحقا العباد، ولتتصاعد إثره الشعارات الدخيلة (الأردن أولا، ولبنان أولا وما إلى ذلك)، والتي لا تنتمي لتاريخ المنطقة العربية وحضارتها وأخلاق شعوبها المعروفة بإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، بيد أن مأساة اللاجئ الفلسطيني السوري أخذت منحا جديدا وزخما أكثر لجهة المعاناة وحالة الضياع والتشتت وغياب النصير والمعين، وتنصل الجهات الرسمية الفلسطينية ومنظمة التحرير ومن خلفها الفصائل من مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه هؤلاء، ولاشك أن الوضع السياسي الفلسطيني المتردي وصعود قضايا تحظى باهتمام أكبر على المستوى الفلسطيني ساهمت بشكل كبير بإغفال هذا الملف والتغطية عليه، كحرب غزة ومأساة أهلها المستمرة جراء حصارها المتواصل، وانتفاضة القدس والتصعيد الصهيوني غير المسبوق في محاولة فرض واقع جديد حيال المسجد الاقصى، ولا سيما قضية الانقسام السياسي المستمر منذ سنوات والذي عطل الحياة السياسية الفلسطينية وأفضى إلى انقسامات وصلت لكثير من الملفات ولاشك أن الانقسام كان له أثر كبير في التعاطي مع ملف فلسطينيي سورية الدامي ولم يسلم من التجاذبات، لكن هذا لا يبرر فشل تلك الجهات بالتصدي لهذه المأساة المستمرة منذ خمس سنوات ومحاولة التخفيف من آثارها على الأقل إن لم يستطيعوا حلها.

وفي العودة إلى موضوع وثيقة اللاجئ الفلسطيني، فإن الوثيقة السورية منها كانت الأفضل قياسا بالوثيقة اللبنانية والمصرية كونها تُعطي بعض الامتيازات لحاملها، فحامل الوثيقة السورية له حق العودة إلى سوريا دون تأشيرة عودة، على عكس وثيقة السفر الممنوحة للفلسطينيين من قبل مصر والتي لا تخوِّل لصاحبها العودة إلى مصر دون تأشيرة، أو وثيقة السفر الممنوحة من لبنان والتي لا تزال إلى يومنا هذا تكتب بخط اليد ورغم المعطيات التي نُقلت عن منظمة الطيران المدني بأنها تستثني حملة الوثائق اللاجئين وعديمي الجنسية من قرارها بوقف العمل بالجوازات غير المقروءة آلياً بدءا من مطلع العام 2016، إلا أن الخبر الأسوأ هو أن السلطة اللبنانية لن تبدأ بطباعة الوثائق إلكترونيا قبل العام 2017، بعد أن كان الحديث يدور عن مطلع 2016.

أما عن سبب اصدار هذه الوثائق بالشكل الحالي فإن ذلك يعود لعام 1955 حين أصدرت جامعة الدول العربية قراراً يمنع الدول العربية من السماح بالجمع بين جنسيتين عربيتين، وأصدرت توصية غير ملزمة للدول أيضا أن لا تمنح جنسية الدولة العربية المضيفة للاجئ الفلسطيني حفاظاً على هويته وحقه في العودة الى دياره التي هجر منها, ولهذا لم تعط سوريا ولبنان والعراق الجنسية للاجئين الفلسطينيين بدعوى منع توطينهم والذي سيفضي لإغلاق ملف العودة وقضية اللاجئين، وللمفارقة فإن هذه التوصية غير الملزمة نفذتها الدول العربية بحذافيرها والتزمت بها وكأنها نص ديني ملزم على غير عادتها، فضلا عن أنها من نوادر اتفاق الدول العربية على موقف أو رأي موحد.

تجدر الإشارة هنا إلى أن كثير من دول العالم لا تعترف بالوثيقة أصلا, الأمر الذي يتسبب بمشاكل كبيرة لحاملها عند السفر وكثير ما ترفض إدخاله، وهذا الحال يختلف بين فترة وأخرى وحسب الوضع السياسي والبلد الذي جاء منه، فمثلا تقبل تركيا اليوم دخول الفلسطيني اللبناني إذا قدم بعض الثبوتيات للسفارة التركية في لبنان فيمنح تأشيرة للسياحة أو العمل أو الدراسة حسب طلبه، أما الفلسطيني السوري حامل الوثيقة فإن السفارات التركية في كل دول العالم التعامل مع وثيقته نهائيا إن تقدم لطلب التأشيرة وكأنها لا تعترف بها، ما يدفعه للبحث عن أساليب مكلفة بهدف الدخول إلى تركيا، وفي ظل استعار الحرب السورية وطول أمدها فإن الفلسطيني السوري أخذ يبحث عن طرق الهجرة من سوريا باتجاه تركيا بهدف الوصول إلى أوروبا بحثا عن الأمن والاستقرار ومستقبل أفضل لأبنائه، وبسبب منع السلطات التركية الفلسطيني السوري من دخول أراضيها من خلال المعابر الرسمية فإنه أخذ يسلك طرق التهريب التي يتعرض من خلالها لعمليات ابتزاز من قبل المهربين بالإضافة لمخاطر العبور التي أودت بحياة الكثيرين هناك بسبب الوضع الأمني السيء وسلوكه طرق من خلال مناطق اشتباك بين أطراف عدة.

وفي البحث عن خيارات أخرى للسفر أو محاولة إيجاد ثغرة في الجدار، فإن جميع الدول العربية دون استثناء لا تسمح للفلسطيني حامل الوثيقة السورية بالدخول لأراضيها دون تأشيرة، واما قضية الحصول على التأشيرة فهي أمر أقرب للمستحيل إن لم تكن من خلال عقود عمل أو بهدف الدراسة، وهذه القضايا ليست متوفرة إلا لشريحة محدودة جدا من اللاجئين، ذلك أن الفلسطينيين السوريين الراغبون بمغادرة سوريا هم عائلات غالبا وقد خرجوا من مناطق مشتعلة طلبا للأمان والاستقرار وليس بهدف العمل أو الدراسة وحسب، أضف إلى أن الحاجة هي لتأمين جميع أفراد العائلة وليس لشخص واحدا فقط، أما بالنسبة لتأشيرة الزيارة أو السياحة فإن آخر دولتان عربيتان أوقفتا منح تأشيرة الزيارة للفلسطيني السوري هما السودان والصومال مطلع العام 2014.

على الصعيد الدولي لا تزال البرازيل مثلا تمنح تأشيرة دخول للفلسطيني حامل الوثيقة دون شروط مسبقة وتسمح له بالإقامة الموقتة والعمل والتعليم وبعض الخدمات الأخرى لكن لا يوجد اقبال عليها بسبب عدم وجود برامج لجوء واحتضان للاجئين وكذلك بعدها وطبيعة سكانها وغياب الحواضن العربية والإسلامية فيها وحواجز اللغة والعمل وانتشار البطالة والفقر، وهناك بعض الدول التي تقبل بدخول حامل الوثيقة كسائح فقط يمنح إقامة لمدة قصيرة ومحددة ولا يسمح له بالبقاء أو العمل، كماليزيا التي تمنح اللاجئ الفلسطيني شهر واحد فقط للسياحة ويتم ترحيله بعدها للدولة التي قدم منها إن لم يغادر قبل انتهاء الشهر، لكن هناك بعض الحالات التي سمحت خلالها السلطات الماليزية بالإقامة لبعض الاسر والافراد بعد التقدم بطلب لجوء من خلال مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

لاشك أن الأوضاع القانونية للاجئين الفلسطينيين والمشكلات المترتبة عليها خاصة في الدول العربية، ستبقى قائمة وتطل برأسها مع كل أزمة داخلية تعاني منها الدول المضيفة إن لم تبادر الجهات الرسمية الفلسطينية لوضع هذه المشكلة على جدول أعمالها وتنهي هذه المأساة أو تحد من تبعاتها على اللاجئ الفلسطيني التي ما انفكت تدعي تمثيله في كل مناسبة.

المصدر: مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية