وثيقة حماس.. تكريس
للرؤية والمواقف
بقلم: ماجد أبو دياك
انشغل الإعلام
في الشهور القليلة الماضية بالحديث عن وثيقة حماس السياسية التي ستصدرها هذه الحركة
قريبا. البعض حاول أن يظهر أن هناك تغييرا في الفكر السياسي لحماس والآخر حاول الحديث
عن التعاطي مع الحلول السياسية بحدود 1967، والآخر حاول الإشارة إلى انسلاخ الحركة
عن حركة الإخوان المسلمين.
وفي إطار اشتغالي
بالأمر، حصلت على نسخة أقرها مجلس شورى الحركة مؤخرا بعد أن مرت على الأطر السياسية
المختصة، ووجدت أنه من المفيد أن أتحدث عنها في إطار فهمي لهذه الحركة وسياساتها ومواقفها.
في الإطار العام،
يمكن القول إن الوثيقة ليست إلا حصيلة لمواقف وسياسات تميزت بها حماس طوال السنوات
الماضية وشكلت بمجموعها رؤية الحركة لنفسها ورؤيتها السياسية للصراع مع العدو وكيفية
إدارته في الإطار الوطني والعربي والإسلامي والدولي، ومواقفها تجاه مشاريع التسوية
السياسية وطبيعة علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين التي انبثقت عنها.
ولا شك في أن الحركة
كانت محتاجة لهذه الوثيقة لتطوير الميثاق الذي أعد على عجل عام 1988 وفي إطار انتفاضة
1987، وما تطلبه ذلك من مواقف تجاه العدو الإسرائيلي أو المجموع الفلسطيني وفي الإطارات
العربية والإسلامية والدولية.
وتبدأ الوثيقة
بتعريف حماس لنفسها على أنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية هدفها
تحرير فلسطين" ويلاحظ هنا تقديم الوطني الفلسطيني على الديني الإسلامي لتأكيد
الدور الفلسطيني للحركة قبل أي شيء آخر، لتنهي بذلك الاتهامات من أطراف منافسة أنها
تقدم الديني وتحاول فرضه على الشعب الفلسطيني. وهذا ما توضحه الوثيقة في موقع آخر،
إذ تعتبر أن "الشعب الفلسطيني شعب واحد بكل أبنائه في الداخل والخارج، وبكل مكوناته
الدينية والثقافية والسياسية"، كما تؤكد في موضع ثالث أن الإسلام هو دين التسامح
يعيش في ظله أتباع الشرائع والأديان في أمن وأمان.
أرض فلسطين كاملة
وفي إطار تأكيد
الحق التاريخي في فلسطين، تعتبر حماس أن أرض فلسطين وحدة إقليمية لا تتجزأ وهي ملك
للشعب الفلسطيني، وتثبت أن حدودها التي تمتد من نهر الأردن شرقا إلى البحر المتوسط
غربا ومن رأس الناقورة شمالا إلى أم الرشراش جنوبا هي أرض الشعب الفلسطيني ووطنه.
وفي موضع آخر تؤكد
الوثيقة أن القدس عاصمة فلسطين، وجميع مقدساتها الإسلامية والمسيحية هي حق ثابت للشعب
والأمة وأن كل إجراءات الاحتلال في القدس من تهويد واستيطان وطمس للمعالم منعدمة.
وتخص حماس المسجد
الأقصى المبارك وتعتبره حقا خاصا للشعب والأمة وليس للاحتلال حق فيه.
وتشكل هذه الصياغات
تقعيدا لرفض الحركة لمشاريع التسوية السياسية التي تنتقص من الأرض كاملة، بدءا من وعد
بلفور وقرار تقسيم فلسطين الذي تعتبره الحركة منعدما ومناقضا لحقوق الشعب الفلسطيني
غير القابلة للتصرف.
وتكرس حماس بذلك
ما سبق وعبرت عنه من مواقف عنه في السابق.
شعب محتل ومهجر
وتعرف الوثيقة
الفلسطينيين بانهم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون في فلسطين حتى عام 1947، وكل
من ولد من أب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ، وتعتبر أن الشخصية الفلسطينية هي صفة أصيلة
لازمة لا تزول وتنتقل من الآباء للأبناء مهما تعرضت فلسطين من احتلال وشعبها إلى تهجير.
وهذه عبارات وردت في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي عدله المجلس الوطني الفلسطيني في
إطار مطالب إسرائيلية وأمريكية.
وتعالج الحركة
قضية اللاجئين فتقرن التهجير بالاحتلال وتعتبر أن حق العودة للاجئين والنازحين إلى
ديارهم التي أخرجوا منها سواء في 1948 أو في 1967 هو "حق طبيعي فردي وجماعي"
وهو "غير قابل للتصرف من أي جهة كانت فلسطينية أو عربية أو دولية" وهي تريد
بذلك الإشارة إلى مشاريع التسوية السياسية التي تختزل حق العودة أو تجعله موضع تفاوض
كأوسلو والمبادرة العربية للسلام.
وفي موقف متقدم
من قضية اللاجئين والنازحين تؤكد حماس على متلازمة التعويض والعودة دون عزل أي موضوع
عن الآخر، وتصر على حق التعويض للاجئين والنازحين بسبب احتلال أرضهم وتشريدهم، كما
تؤكد على رفض توطينهم خارج بلادهم، أو أي مشروع لوطن بديل.
تسوية سياسية مرفوضة
لم تغير الحركة
موقفها من مشاريع التسوية، فأكدت رفضها لأي مشاريع تنتقص من حق الشعب الفلسطيني في
أرضه، وأكدت على أنه لا بديل عن تحرير فلسطيني تحريرا كاملا.
ورغم كثرة اللغط
عن موقف الحركة من الحل الانتقالي، فقد تعاملت الوثيقة مع الحل الانتقالي بالقبول بدولة
فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران فقط في إطار "صيغة توافقية وطنية مشتركة"
دون أي اعتراف بالكيان الصهيوني مع التأكيد على القدس كعاصمة لهذه الدولة مع عودة اللاجئين
والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها.
وترى الوثيقة أن
الدولة الحقيقية هي ثمرة التحرير، وأنه لا بديل عن الدولة الفلسطينية كاملة السيادة
على كل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس.
أي أن حماس لا
تؤمن بالحل الانتقالي ولكنها يمكن أن تقبل به كصيغة توافقية فلسطينية، ولذلك فهي ترفض
اتفاق أوسلو وترى أنه رتب التزامات تخالف حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف
كما ترفض التنسيق الأمني مع الاحتلال.
ولم تتمكن الوثيقة
من فك التباس معارضة أوسلو والمشاركة في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 تحت سقفه،
وإن كانت تشير في أدبياتها إلى أنها بنت سلطة مقاومة في غزة ومزجت بين السلطة والمقاومة
بما يتناقض مع الأسس التي قامت عليها أوسلو.
الإطار الوطني
والإقليمي
أكدت الحركة على
حق المقاومة بكل الوسائل والأساليب دون أن تستثني منها أي وسيلة بما في ذلك العمليات
الفدائية. واعتبرت أن المقاومة المسلحة حقا مشروعا وخيارا استراتيجيا "لحماية
الثوابت واسترداد الحقوق" وإن كانت أشارت إلى موضوعي التهدئة والتصعيد ضمن عملية
إدارة الصراع مع العدو.
ورفضت الحركة المساس
بالمقاومة المشروعة وأشارت إلى واجب الأمة في عملية التحرير، وكأنها تريد أن تقول أن
الشعب الفلسطيني يقاوم والأمة الإسلامية هي التي تقوم بواجب التحرير.
وفي العمل الوطني
اعتبرت حماس أن منظمة التحرير هي "إطار وطني جامع للشعب الفلسطيني يجب المحافظة
عليه مع ضرورة العمل لتطويرها وإعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية" لتحسم
بذلك جدلا واسعا في هذا الإطار ولترد على مزاعم القيادة الفلسطينية بأن حماس تسعى لتشكيل
كيان بديل عن المنظمة.
وأشارت حماس إلى
ضرورة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني معتبرة أن دور السلطة يجب أن يكون في خدمة
الشعب الفلسطيني وحماية أمنه ومشروعه الوطني دون أن تهمل دور الشخصيات والمؤسسات الفلسطينية
في بناء المجتمع والمساهمة في مشروع المقاومة والتحرير.
وفي الإطار الإقليمي،
قالت حماس إنها تؤمن بوحدة الأمة وبأن فلسطين هي القضية المركزية لها، ولكنها شددت
على عدم التدخل في شؤون الدول ورفض الدخول في النزاعات والصراعات بين الدول وقالت إنها
تنفتح على جميع دول العالم خصوصا العربية والإسلامية، وتحرص على علاقات متوازنة في
إطار مصلحة الشعب ومصلحة الأمة وأمنها.
والملفت للانتباه
أن الوثيقة لم تتطرق لجماعة الإخوان المسلمين لا في النشأة وجذورها ولا في العلاقات
مع الإقليم وذلك في محاولة منها للنأي عنها إعلاميا وتجنب تصنيفها ضمن حركات الإسلام
السياسي المستهدفة، مع الإشارة إلى أن جذور الحركة ترجع لهذه الجماعة وإن كانت الآن
لا ترتبط بها عضويا.
وتحدثت الوثيقة
عن المشروع الصهيوني الذي قالت إنه إحلالي توسعي ويستهدف الأمة بكاملها. إلا أن الإضافة
الأهم في هذا السياق هي التمييز بين اليهودية كديانة وبين المشروع الاستيطاني الصهيوني
لمعتدي على الأرض، وحصر الصراع معه داخل الأرض المحتلة فقط.
وبهذه الوثيقة
الجديدة تستقبل الحركة عهدا جديدا بعد الانتخابات الداخلية لتؤكد على ثبات فكرها ومواقفها
بصرف النظر عن القيادة التي يتم انتخابها.
وستشكل هذه الوثيقة
مرجعية للحركة ولمتابعيها والمهتمين بشأنها من الأصدقاء والأعداء.
المصدر: عربي21