وقائع نموذجية لتشتت عائلة فلسطينية من سورية!!
بقلم: ياسر علي
هي عائلة مثل بقية العائلات، كانت تعيش في مخيم اليرموك،
وتُعدّ من العائلات الميسورة، عايشتُ قصتها منذ البدايات.. ليست مأساوية، ليست وحيدة،
لكنها نموذج عن معظم العائلات.. تصلح أن تكون موضوعاً لسيناريو شريط وثائقي عن العائلات
الفلسطينية في سورية.
تعيش هذه العائلة في صيدا بجنوب لبنان، ومن يسمع تفاصيل القصة،
سينتهي الأمر به ليصبح خبيراً بطرق التهريب إلى أوروبا وأساليبه. بل إنني أنا كمتابع
لقضايا فلسطينيي سورية، كنت إذا أخبرتهم عن طريق جديدة للتهريب أجدهم قد علموا بها
منذ مدة، وأخبروني عن مساوئها.. ومن هذه الطرق، السفر بالطائرة من بيروت إلى مطار القامشلي،
ومن هناك إلى تركيا.. فقالت لي الأم: نعرف هذه الطريق، لكن الأكراد هناك يمكن أن يأخذوا
المتسلل لتهريبه، ثم يعيدونه إلى الداخل السوري.
خرجت العائلة من المخيم، وتوجهت إلى لبنان، فيما بقي الأب
في دمشق ليتابع شؤون أملاك العائلة. وحين جاء فريق من «الأونروا» ليطلع على أوضاعهم
من أجل مساعدتهم، اعتذرت العائلة وقال أكبر أبنائها: «نحن لسنا لاجئين، لدينا من المال
ما يكفي للإقامة سنة». وبالفعل، بعد سنة لم يعد بإمكانهم الاستمرار بما هم فيه.
بعدها، كانت أولى محاولات العائلة لتسفير الابن البكر إلى
أوروبا، واختار طريق (مطار دمشق - الاسكندرية – إيطاليا). فغادر بيروت إلى دمشق، وركب
الطائرة من هناك إلى مصر. حذروه كثيراً، وقالوا إن كثيراً من المهربين ينسقون مع الدولة.
وضعه المهربون في شقة مع بعض الشباب، فداهمتهم الشرطة، واعتقلوا معظم رفاقه، واستطاع
النجاة لأنه لم يكن في الشقة.. وبعد عدة محاولات خسر أمواله كلها، فاضطر إلى الاستدانة
كي يجرب المحاولة الخامسة، فنجحت وأوصلته إلى إيطاليا، ومنها إلى ألمانيا.
لكن هذه المدة من الانتظار، أوصلته إلى السن القانونية التي
تمنعه من إجراء عملية لمّ الشمل مع أمه وأخواته. فعادت العائلة لمحاولات جديدة، لم
تنجح.. وكان يجري الحديث عن الطرق التالية:
1- ليبيا – إيطاليا
– ألمانيا
2- السودان – فرنسا
– ألمانيا
3- السودان –ليبيا
- إيطاليا
4- الجزائر أو تونس
– ليبيا – إيطاليا – ألمانيا
5- تركيا – اليونان
6- تركيا - بلغاريا
7- قبرص – اليونان
8- لبنان – أمريكا
اللاتينية – أوروبا
9- لبنان – إفريقيا
– أوروبا
كان القرار محكوماً بالكلفة العالية أو مخاطر التهريب ومخاطر
التزوير (وخصوصاً، جوازات أجنبية في أفريقيا).. وكان الحسابات ترجح عدم السفر عند توافر
هذه الأسباب.
وصار يمرّ عندهم أقاربهم المسافرون والمهاجرون واللاجئون
والذين سيجري لمُّ شملهم مع أقاربهم، حتى أصبح عدد الذين جاؤوا من دمشق إلى لبنان وسكنوا
عندهم لأسابيع أو حتى لأشهر أكثر من ثلاثين شخصاً، كلهم كانت تنجح أسفارهم، وتعرفت
العائلة على مختلف أنواع الطرق والمهربين.. وسافر ابن خالتهم الذي كان ينام عندهم في
قارب صغير انطلق عند منتصف الليل من طرابلس في شمال لبنان إلى مرسين تركيا، ووصل منهكاً
بعد سبع ساعات. فقررت العائلة اعتماد الطريق نفسه، لكن السلطة اللبنانية ألقت القبض
على قارب مثله في المنطقة نفسها، فصرفوا النظر عن الأمر.
الابنة الأولى خطبها مواطن لبناني يعيش في السويد، فنالت
الإقامة في لبنان، وسيجري لمّ الشمل لها مع عريسها إلى السويد.
حاول بقية أفراد العائلة أن يهاجروا بعدة طرق، فلم يفلحوا،
إلى أن جاءهم من ينقذهم بطريقة عجيبة، لكن الظروف حالت دون سفرهم في اللحظات الأخيرة،
(حيث تمّ إلقاء القبض على المهرّب بتُهم كثيرة منها التزوير والتهريب)، بعد أن باعوا
كل ما عندهم، وتركوا بيتهم، فأُسقط في أيديهم، وبلغ اليأس مبلغه وأقفلت كل الخيارات..
فقرروا المغادرة بأي طريقة.
اتخذت العائلة قراراً دراماتيكياً، كان متاحاً في البداية،
قرروا أن يغادروا خلال 24 ساعة، فغادرت الأم وابنتاها، وبقيت في لبنان البنت المخطوبة..
وأخذوا معهم ابن شقيق الأم، وهو ثالث إخوته وعمره 16 عاماً، لأنه يستطيع أن يقوم بمعاملات
لمّ الشمل لبقية العائلة.
وغادرت العائلة إلى سورية، غادروا إلى طرطوس، ومنها إلى حلب..
ثم إلى تركيا.. وانقطعت أخبارهم، لكننا سنتابع بقية المغامرة عبر الفضائيات، وسنراقب
الآلاف المنتثرة في جزر اليونان وسهول مقدونيا وصربيا، ومحطات القطار في هنغاريا، صعوداً
نحو ألمانيا والنمسا.. لعلّنا نجد جيراننا الذين جاورناهم ثلاث سنوات، وتجمعنا بهم
الذكريات.