وكالة «الأونروا» وأزمة
فلسطينيي سوريا
بقلم: علي بدوان
أعادت وقائع التغريبة الجديدة
لفلسطينيي سوريا ومخيم اليرموك على وجه التحديد، رسم وترسيخ صورة النكبة ووقائعها في
وجدان ومشاعر وأحاسيس الأجيال الجديدة من الفلسطينيين من الذين ولدوا في المنافي والشتات
بعيداً عن الوطن الفلسطيني ولم يشهدوا بأم أعينهم حقيقة ماجرى عام 1948، وقد ارتوت
واتخمت ذاكرتهم بوقائع النكبة المنقولة بالتواتر الشفهي على لسان أبائهم وأجدادهم الذين
خرجوا من فلسطين من حيفا وعكا ويافا واللد والرملة وصفد.
وفي صورة تلك التغريبة
الأخيرة لفلسطينيي سوريا ومخيم اليرموك ووقائعها، عادت وكالة الأونروا لإغاثة وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين إلى صدارة موقعها ودورها الذي لعبته في السنوات الأولى من النكبة،
في ذلك الزمن الحالك في سواده من عمر النكبة الفلسطينية، حيث طوابير اللاجئين الفلسطينيين
على أبواب ومراكز التوزيع التي أقامتها وكالة الأونروا منذ العام 1949، فباتت مقراتها
ومراكزها الآن وفي استعادة لوقائع النكبة الأولى تغص بعموم اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين
في سجلات وقيود الوكالة في سوريا، وبات مركز (الأليانس) الواقع وسط مدينة دمشق وفي
(حي الأمين) تحديداً، موئلاً لطالبي المساعدة منهم. لقد كَبِرَ الواحد منّا، وبلغ من
العمر سنوات طويلة منذ رأت عيوننا نور الشمس والحياة في مخيمات اللجوء والنكبة على
أرض سورية، ولم تنفك تلك الصورة الحية من ذاكرتنا ونحن أطفال، ذاكرة الأسنان اللبنية،
صورة المعونات والمساعدات، وصورة المعلبات وأكياس الطحين والأرز والسكّر وغيرها الكندية
والأوسترالية، إضافة للبطانيات والألبسة المستعملة، وهي توزع شهرياً لعموم اللاجئين
الفلسطينيين حتى العام 1980 تقريباً، إلى أن تم إيقافها، ومنحها فقط للعائلات التي
تعاني من العسر الشديد والفاقة الكبيرة. لكن برنامجي الوكالة الصحي والتعليمي مازالا
حتى الآن في عموم التجمعات الفلسطينية اللاجئة في مناطق عمل الوكالة المعروفة (سوريا،
لبنان، الأردن، القدس والضفة الغربية، قطاع غزة). إن وقائع تلك الصورة لحال الفلسطينيين
في سوريا وانشدادهم تجاه مراكز عمل وكالة الأونروا نجدها الآن واضحة المعالم، في تزاحم
عامة الناس من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أمام مراكز الأونروا في مناطق دمشق المختلفة
وحتى في حلب ودرعا وحمص، الذين وجدوا في وكالة الأونروا ملاذاً مساعداً لهم في قضاياهم
اليومية الحياتية المتعلقة بالإغاثة والرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية. فقد باتت
مراكز الوكالة بدمشق وعموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية تغص بالمواطنين الفلسطينيين
من طالبي المعونة والإغاثة من تلك المؤسسة الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة والتي
أقيمت بقرار دولي عام 1949 من أجل تقديم الرعاية للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا
ولبنان والأردن و(القدس والضفة الغربية) و(قطاع غزة) إلى حين عودتهم إلى أرض وطنهم
التاريخي في فلسطين طبقاً لقرار إنشائها تحت الرقم (302) والصادر عن الجمعية العامة
للأمم المتحدة عام 1949. فاللاجئون الفلسطينيون ليسوا لاجئي حرب عالمية ثانية أو لاجئي
مجاعة وإنما هم لاجئون اقتلعوا من أرض وطنهم التاريخي وهذا مايميّز ويفرّق بين عمل
وكالة «هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى» والمعروفة
بـ (وكالة الأونروا) وبين عمل المفوضية العليا السامية للاجئين في العالم وكلاهما يتبعان
هيئة الأمم المتحدة. وبعيداً عن حجم التقصير والتراجع الذي يُسجل على عمل الوكالة في
السنوات الأخيرة في مهامها المنوطة بها تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ومناطق
عملياتها الخمس، إلا أن دورها الملموس الأخير تجاه فلسطينيي سوريا بات واضحاً، ويفترض
أن يتطور أكثر فأكثر لجهة توفير ماهو مطلوب للفلسطينيين في سوريا في ظل محنتهم الأخيرة.
فوكالة الأونروا معنية بتقديم كل المساعدات الممكنة للاجئين الفلسطينيين طبقاً لقرار
إنشائها عام 1949 بجوانبها المتعلقة بالإغاثة الاجتماعية والصحية والتعليمية. وفي هذا
السياق، عملت الوكالة مؤخراً على تقديم مساعدات مالية ومباشرة لكل أسرة فلسطينية لاجئة
حسب عدد أفرادها وبواقع (60) دولارا أميركيا تقريباً لكل فرد (حسب سعر الصرف الرسمي
الحكومي في سوريا)، ومساعدات عينية من مواد تموينية وغيرها لعموم اللاجئين الفلسطينيين
في سوريا في ظل المحنة الأخيرة التي يعيشون فصولها الآن في سوريا، إلا أن تلك المعونات
العينية والمساعدات المالية مازالت متواضعة قياساً لما هو مطلوب، خصوصاً بالنسبة لمواطني
مخيم اليرموك المنكوبين خارج بيوتهم وخارج حدود مخيم اليرموك، وقد وصلت أعداد كبيرة
منهم إلى لبنان وغير لبنان. لقد تفوقت وكالة الأونروا بدورها في هذا الميدان من العمل
الإغاثي والاجتماعي والصحي والتعليمي وعلى تواضعه، على عمل ودور عموم القوى الفلسطينية
بما فيها القوى المؤتلفة في إطار الشرعية الفلسطينية ونعني بها منظمة التحرير الفلسطينية.
فوكالة الأونروا أطلقت عدة برامج متتالية لمساعدة فلسطينيي سوريا، وقدمت إلى الآن جهداً
ملموساً في هذا المضمار، بينما مازال الدور الفلسطيني الرسمي وغير الرسمي متواضعاً
إن لم نقل مفقوداً في العمل والفعل الملموس في الوسط الفلسطيني في سوريا. وعليه، ورغم
ماقد يسجل ويقال من ملاحظات، فإن عمل وكالة الأونروا، هام وضروري، واستمرار دورها أمرٌ
لابد منه نظراً لما تحمله الوكالة في مضمون إنشائها من عنوان سياسي كبير وعريض يتعلق
بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة لأرض وطنهم التاريخي في فلسطين، فعمل الوكالة ينتهي
مع تنفيذ القرار الدولي الرقم (194) القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة. وانطلاقاً
من الوارد أعلاه، فإن دعم عمل وكالة الأونروا، وتحفيز تقديم المساعدات الدولية والعربية
سنوياً لها، مسألة على غاية الأهمية، لاستمرار عمل الوكالة في أوساط مجتمع اللاجئين
الفلسطينيين، وتطوير برامجها ومساعدتها، وهو مايتطلب دوراً عربياً ريادياً في هذا الجانب،
في مواجهة التقليص المستمر للمساعدات السنوية المقدمة لعمل الوكالة من قبل بعض الأطراف
الدولية ومنها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.
وفي هذا السياق، نشير بالى
ن المساهمة العربية في ميزانية الوكالة تقارب (8%) من الميزانية العامة للوكالة من
أصل كامل ميزانية الوكالة في مناطق عملياتها الخمس والتي تقارب نحو مليار ونصف المليار
دولار سنوياً، إلا أن نسبة المساهمة العربية المشار إليها انخفضت خلال الأعوام الأخيرة،
فقد ساهمت الدول العربية في الميزانية العامة للعام 2008 بأقل من واحد في المائة، وفي
العام 2009 واحد في المائة، من هنا أهمية التذكير بضرورة إيفاء الدول العربية بالتزاماتها
المالية لصندوق «الأونروا»، وبالطبع حث المجتمع الدولي على الإيفاء بتعهداته المعروفة
تجاه ميزانية وعمل وكالة الأونروا.