وكالة الأونروا ومحاولات تغيير دورها ومكانتها
علي بدوان
قبل فترة قصيرة بدأت وكالة (الأونروا) الدولية والمعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، بالترويج الأولي لتغيير تسميتها، في خطوة سياسية مدروسة لاحداث تغيير كامل في بنية الوكالة وطريقة عملها ووظيفتها، وعلى طريق احالة خدماتها للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين في (سوريا، لبنان، الأردن، السلطة الوطنية الفلسطينية) وبالتالي في الانهاء العملي للوكالة واحالتها على التقاعد على المدى المنظور.
وبالفعل، أقدمت الوكالة قبل شهر مضى تقريباً، على تغيير اسمها عبر موقعها الرسمي، ليصبح أسمها «وكالة الأمم المتحدة للاجئي فلسطين»، أي من مسمى الوكالة المعروف بـ (وكالة الأمم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى) الى (وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين)، واعتمدت تلك التسمية الجديدة على موقعها الرسمي على الشبكة العنكبوتية للانترنت، وقد ترافق هذا التغيير مع التصريحات المتضاربة الدائمة التواتر، حول العجز المالي في ميزانية (الأونروا) للعام الحالي، وهو عجز مازال يجرجر نفسه من عام لآخر، وقد انطلقت منه رئاسة الوكالة لتبرير التراجع في تقديم خدماتها الصحية والتعليمية وخدمات الاغاثة الاجتماعية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وفي دول الطوق الثلاث (سوريا، لبنان، الأردن) التي تتواجد فوق أراضيها أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين.
فهل تغيير اسم الوكالة أمر بسيط وعادي، أم أنه يخفي ما وراءه من خلفيات سياسية..؟
بالطبع، ان الاجراء الذي حاولت الوكالة تكريسه بتغيير اسمها، هو عمل غير بريء، ولم يأت من فراغ، وهو اجراء خطير، له أبعاد سياسية كبيرة، فتغيير مسمى الوكالة يحمل في ثناياه مؤشرات ستؤدي لتغيرات جذرية ازاء عمل هذه المؤسسة الدولية المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين الى حين عودتهم الى أرض وطنهم الأصلي وفقاً لقرار تأسيسها عام 1950. لقد أثار تغيير الوكالة لاسمها المعروف، موجات من الاحتجاج والاستنكار الفلسطينية على كافة المستويات انطلاقاً من المخاوف والتوجسات والمرامي التي تقف وراء هذا التغيير، وقد أدت تلك الاحتجاجات الفلسطينية مفعولها الايجابي حين تراجعت الوكالة عن اجراءها الخطير اياه. ان كلمة (الأونروا) كلمة مشتقة من الأحرف الأولى للترجمة الانجليزية الحرفية لـلعبارة التالية : «وكالة هيئة الأمم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى»، ولكن وعقب التغيير الذي أجرته الوكالة في اسمها وقبل ان تتراجع عن تلك الخطوة برز اسمها الجديد أولاً على صفحتها باللغة الانجليزية لنرى أن ما كتب باللغة الانجليزية لا يعني «وكالة هيئة الأمم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى» وانما «وكالة الأمم المتحدة للاجئي فلسطين»، وازاء الانتباه الفلسطيني المرصود والجيد لتلك الخطوة وردود الفعل القوية عليها عادت الوكالة للتراجع عن اجرائها المذكور، وعبرت عن ذلك برسالة رسمية الى رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، مرسلة من قبل المفوض العام لوكالة الـ (أونروا) (فليبو جراندي) يخبره فيها أن الـ (أونروا) قد قررت أن تستمر في الابقاء على اسمها كوكالة للأمم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، وأن هذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي سيظهر على مطبوعات الـ (أونروا) وعلى موقعها الالكتروني كما كان في الأصل، معتبراً أن هموم اللاجئين الفلسطينيين واحتياجاتهم ستظل هي المحرك الأساسي والدافع لأي تحرك تقوم به وكالة الـ (أونروا) تجاه الدول المانحة والمجتمع الدولي من اجل توفير حياة كريمة ولائقة للاجئين الفلسطينيين لحين حل قضيتهم حسب قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة وبما يضمن لهم حقوقهم المشروعة في العودة.
الأونروا ومحاولة تصفية دورها
في هذا السياق، أن الجهود الخفية لانهاء عمل وكالة الأونروا واحالتها على التقاعد، تجري منذ سنوات طويلة على يد الادارة الأميركية والدولة العبرية الصهيونية، وبعض من دول غرب أوروبا، التي تريد انهاء صيغة عمل الوكالة ومهامها واحالتها الى الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، انطلاقاً مما ترسمه تلك الجهات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أسس غير عادلة تذهب بحقهم في العودة لصالح تكريس حلول التوطين والتهجير.
فاحالة وكالة (الأونروا) على التقاعد يعني فيما يعنيه، انهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبار أن وكالة (الأونروا) هي الهيئة الدولية المسؤولة عن مصير اللاجئين الفلسطينيين الى حين عودتهم الى وطنهم وديـارهم الأصلية على أساس القرار (194) ووفق قرار انشائها في العام 1950.
لقد بدأت وكالة الغوث عملياتها بتقديم الخدمات لنحو (800) ألف لاجئ فلسطيني اقتلعوا من ارض وطنهم عام 1948، بكادر لا يتجاوز عديده نحو (1444) أصبح عددهم نهاية العام الماضي بحدود (28000) موظف محلي ودولي مابين (مدير، اداري، فني، طبيب، معلم، ممرض، مستخدم، سائق …) وأكثر من (14) ألفا منهم يعمل في الضفة والقدس وقطاع غزة، ومن بينهم (100) موظف دولي. واليوم تشرف وكالة الأونروا على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وخدمات الاغاثة والاشراف لنحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني. بعد أن أصبحت احدى أقدم وأكبر وأوسع مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة في العالم.
لقد تم انشاء وكالة (الأونروا) في مايو 1950 بالقرار رقم 302 (د - 4 ) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وارتبط استمرار عملها مرفقاً بالقرار الشهير (194) الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى مواطنهم الأصلية وممتلكاتهم على ارض فلسطين التاريخية في اللد وعكا وحيفا ويافا والناصرة وطبريا وبيسان والمجدل وعسقلان وبئر السبع..الخ، والذي ربط بدوره بين قبول الدولة العبرية الصهيونية عضواً في الأمم المتحدة وبين التـزامها بتجنب معارضة القرار ذاته، ومنذ ذاك الحين الى الآن تم التأكيد على القرار (194) أكثر من مائة وستين مرة باجماع العالم بأسره، ما عدا الدولة العبرية الصهيونية التي تمتنع عن التصويت عليه. فضلاً عن الامتناع الجديد للولايات المتحدة منذ توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 بحجة ترك الأمور للعملية التفاوضية الجارية.
وفي المنحى ذاته، يتم التجديد لعمل وكالة الأونروا مرتبطاً باستمرار وديمومة القرار (194) الخاص بحق اللاجئين بالعودة وحمايته من عملية التآكل في قوته بعد سلسلة من التداعيات والانكسارات التي حكمت الموقف التفاوضي الفلسطيني والعربي مع الدولة التوسعية العبرية، والمحاولات الرامية لالقاء هذا القرار خارج اطار المرجعية التفاوضية وتفريغه من محتواه، بتحويل قضية اللاجئين الى عنوان انساني فقط، يجري حلها على قاعدة التوطين والتهجير دون أية حقوق وطنية وقومية.
ان اسم ومسمى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كما هو معروف يحمل في طياته معنى الوقوف الى جانب قضية اللاجئين الفلسطينيين في جميع حقوقهم، والاعتراف بهم بشكل رسمي أنهم رحلوا امن أرضهم المحتلة وهم قابعون في الدول العربية في مخيمات لاجئين، في سوريا والأردن ولبنان اضافة للاجئين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
التحولات غير البريئة
ويذكر في هذا الصدد، وفي سياق الحديث عن مايجري من محاولات لانهاء عمل وكالة (الأونروا) واحداث التقليص التدريجي في مهامها، أن الوكالة قامت خلال السنوات الماضية بتقليص الكثير من مهامها التربوية والصحية حتى المساعدات المالية والقروض البسيطة، وعملت في الآونة الأخيرة على منع احياء ذكرى النكبة والأعياد الوطنية الفلسطينية وهو أمر خطير وله دلالاته القطعية ذات المحتوى السلبي، وهو ما استولد موجات من الاحتجاجات المتوالية من قبل كل المؤسسات والجهات الفلسطينية المعنية والجامعة العربية.
فالخطوات التي تحاول الادارة الأميركية وبعض دول الغرب الأوروبي ترتيبها بالنسبة لوكالة (الأونروا) تصب مباشرة في سياق ومسار المؤامرة على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، حيث تحمل تلك الخطوات (بصمات اسرائيلية أميركية) تذهب في مساعيها الى حدّ تصفية الوكالة تدريجياً والغاء حق العودة. وهنا علينا أن نلاحظ وجود حملات اعلامية مكثفة تقودها أطراف «اسرائيلية» في الغرب تسعى لالغاء دور الوكالة الدولية (الأونروا) واستبدالها بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، الأمر الذي يهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة، ويساوي بين قضية اللاجئين الصوماليين أو العراقيين أو غيرهم... مع اللاجئين الفلسطينيين على سبيل المثال، حيث البون شاسع بين لاجئ اضطر لمغادرة وطنه وبين لاجئ تم نفيه وشطبه واحلال الآخرين مكانه على أرض وطنه في عملية (ترانسفير وتطهير عرقي) لم يشهد لها التاريخ البشري مثيلا ولاحتى مع الهنود الحمر في القارة الأميركية ولاحتى مع سكان نيوزلندا واستراليا الأصليين. وتأتي في هذا السياق، أهمية تكامل الدور العربي والفلسطيني ومع جميع دول العالم داخل أروقة الأمم المتحدة من اجل التصدي لكل محاولات انهاء عمل وكالة (الأونروا) أو احالة مهامها الى الدول المضيفة، كما في العمل على تحفيز الامداد الدولي لها من أجل اعانتها على الاستمرار بتأدية مهامها المطلوبة منها تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين.
المصدر: صحيفة الوطن القطرية