وكالة الغوث تتراجع
د. فايز رشيد
سنوات طويلة قدمت خدماتها للاجئين الفلسطينيين، ثم بدأت تقل هذه الخدمات، ومن ثم كان القرار بتغيير الاسم، ورغم تراجع الأونروا عن قرارها بتأثير الاحتجاجات الكبيرة، فإن ذلك لا ينفي وجود المؤامرة، ففجأة ومن دون مقدمات أرادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) تغيير اسمها لتنزع عن جسدها المهمات التي أخذتها على عاتقها، ومن أجلها أسستها الجمعية العامة للأمم المتحدة تنفيذاً لقرارها رقم 302 للعام 1949، ولتمحو صفة (اللاجئين) عن الفلسطينيين الذين شرّدتهم "إسرائيل" من وطنهم في عام 1948 حين قيامها، ولتقطع الطريق على قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يتحدث عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة هذا التهجير.
ليس صدفةً أن يأتي ذلك في ظل شكوى الأونروا من تقليص في ميزانيتها نتيجة لعدم دفع الدول المانحة لما يترتب عليها من مستحقات مالية سنوية للوكالة،الأمر الذي أدّى إلى ترد واضح في خدماتها التعليمية والصحية والخدمات الإنسانية الحياتية الأخرى، للاجئين المشرّدين عن وطنهم لما يزيد على الستة عقود، يذوقون المعاناة الطويلة والقاسية جرّاء التهجير الصهيوني لهم.
مؤامرة تغيير اسم الأونروا ليست بعيدة عن الأصابع الأمريكية الصهيوإسرائيلية، فكل من (إسرائيل) وحليفتها الإستراتيجية تنكر حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. ليس ذلك فقط، فالدولة الصهيونية حتى الأمس القريب كانت تنكر وجود الشعب الفلسطيني، مثلما تساءلت غولدامئير يوماً: أين هو الشعب الفلسطيني؟ والطرفان يريدان إلغاء مصطلح "اللاجئين الفلسطينيين" من القاموس السياسي، حتى يتخلصا من المسؤولية الدولية تجاه هؤلاء اللاجئين.
رغم مناشدة الدول العربية في عامي 1948 و1949 للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إنشاء وكالة دولية لحماية اللاجئين الفلسطينيين، وتقديم الخدمات الحياتية لهم وتشغيلهم حتى إتمام عودتهم إلى وطنهم، قررت الأمم المتحدة وبتدخل أمريكي أوروبي حينها أن يقتصر الاسم على "إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" دون حمايتهم (والحماية تعني فيما تعنيه تحمل مسؤولية إعادة اللاجئين إلى وطنهم، فهكذا تتعامل الأمم المتحدة من خلال:الوكالة الدولية للاجئين مع لاجئي الدول الأخرى في العالم أجمع، ولم تُعط هذا الحق للفلسطينيين)، واليوم تأتي الحلقة الثانية من المؤامرة بتصفية الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين، وصولاً إلى تصفية حق العودة لهم.
الأونروا تدّعي في بيان لها أصدرته أن تعديل مسماها المرادف لشعارها (والذي تراجعت عنه مضطرة) يعود (إلى أغراض إعلامية فقط)، لكن الصحيح أن تعديل الاسم وفقاً للخبراء القانونيين "يحمل في طياته أبعاداً سياسية وقانونية خطيرة، تذهب إلى حد تصفية الوكالة تدريجياً وإلغاء حق العودة، ويرى هؤلاء "أن المساس بالمهام الموكلة للأونروا التي تأسست من أجلها وتحقيق التناغم بين المسمى الجديد وتخفيض الخدمات المقدمة للاجئين، ما يعكس دور الوكالة في المرحلة الراهنة والمقبلة".
مؤامرة الأونروا والدول التي تقف وراءها قديمة جديدة، ابتدأت منذ التخفيض المتدرج لخدماتها تحت دعوى عجز الميزانية، مع أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، هي السبب الأساسي والرئيس في إنشاء دولة "إسرائيل" المغتصبة، وفي التسبب بتشريد اللاجئين الفلسطينيين، والميزانية السنوية للوكالة لا تكلف هذه الدول سوى ملايين قليلة، مقارنة مع المليارات التي يجري إغداقها على (إسرائيل) كمساعدات مالية وعينية سنوية.
مؤامرة الأونروا ومن يقف وراءها ليست معزولة عن تهديد الإدارة الأمريكية وكذلك الكونغرس، للسلطة الفلسطينية بقطع المساعدات عنها إذا هي أصرّت على طرح الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، وليس بمعزل عن المحاولات الصهيونية الجارية حالياً لإقناع المجتمع الدولي وعلى الأخص بعض أطراف اللجنة الرباعية الدولية بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعلى شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم، واقتصار أن تكون العودة إذا ما تمت (وبموافقة "إسرائيلية" على الأعداد والأسماء إلى مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية)، أي إلى أراضي غزة والجزء اليسير المتبقي (بفعل الاستيطان والجدار العازل والطرق) من أراضي الضفة الغربية.
الذي يُثبت سوء نية الأونروا أيضاً في إجراء تغيير الاسم هي التفرقة المقصودة بين كلمتي "اللاجئين الفلسطينيين" كما هو مطروح باللغة العربية و"لاجئي فلسطين"، وفق المعروض باللغة الإنجليزية على موقع الوكالة.
الذي أفشل مؤامرة الأونروا هي التحركات الجماهيرية الفلسطينية الغاضبة، والضغوطات التي شكلتها منظمات المجتمع المدني وغيرها من الاحتجاجات الناشطة، ويتوجب علينا مراقبة وكالة الغوث وقراراتها.