يوبيل حماس الفضي.. عظمة بناء وتضحيات جسيمة
بقلم: غسان مصطفى الشامي
خمسة وعشرون عاما مضت من عمر حركة المقاومة الإسلامية
حماس، وهي منذ إعلان انطلاقتها الذي تزامن مع انطلاقة انتفاضة الحجارة الأولى عام
1987م تسير بخطى ثابتة ومنهج قويم ومبادئ راسخة وأسس ومنطلقات جهادية ودعوية تعمل الحركة
وفقا لها.
وقد سبق تاريخ الانطلاقة التأسيس السري لجناح الإخوان
المسلمون في قطاع غزة بقيادة الشيخ الإمام أحمد ياسين الذي اعتقلته قوات الاحتلال في
عام 1983م بتهمة حيازة أسلحة، وتشكيل تنظيم عسكري، والتحريض على إزالة الدولة العبرية
من الوجود، وحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاما، وأفرج عنه عام 1985 في إطار عملية تبادل
للأسرى.
وقد أعيد اعتقال الشيخ ياسين بعد تأسيس حماس في
18 مايو/أيار 1989 مع المئات من أعضاء حركة حماس وكوادرها وقياداتها، وصدر بحقه حكم
يقضي بالسجن مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما.
ورغم اعتقال الشيخ ياسين وقيادات الحركة استمرت
حماس في العمل والبناء بل ازدادت قوة وعنادا في مقاومة الاحتلال، وبدأت بالتفكير في
توسيع عملها العسكري في الضفة المحتلة حيث بدأت خلاياها تنشط في تنفيذ كثير من العمليات
العسكرية ضد الاحتلال (الإسرائيلي).
منذ انطلاقة حركة حماس أكدت نهجها الثابت في المقاومة
وتحرير أرض فلسطين من دنس العدو الغاشم، ومنذ ذلك الزمن وهي تعد العدة من أجل الاحتفال
بتحرير فلسطين في المسجد الأقصى المبارك.
ولقد اعتمدت حماس منذ انطلاقتها على قواعد وأركان
جهادية متينة تعمل على تربية النشء وتهيئته وإعداده إعدادا قويا وزرع حب الجهاد والمقاومة
في قلوب الأبناء والشباب والشيوخ والنساء، كما عملت منذ التأسيس على وضع اللبنات الأولى
للجناح العسكري الخاص بالحركة كتائب الشهيد عز الدين القسام لتسير في خطين متوازيين:
خط الدعوة والتربية وخط الجهاد والمقاومة.
واستطاعت المجموعات الأولى لكتائب القسام تنفيذ
عمليات عسكرية نوعية رغم قلة العتاد وصعوبات العمل العسكري في ذلك الوقت، كما اعتمدت
المجموعات الأولى للقسام في قتال العدو (الإسرائيلي) على عمليات خطف الجنود واستخدام
السكاكين والسيوف في عمليات القتل.
لقد أدرك العدو (الإسرائيلي) الخطورة الكبيرة لحماس
على دولته المزعومة، فأصبح أعضاء الحركة في دائرة الاستهداف الأولى للعدو، وبدأت الملاحقات
والاعتقالات والمداهمات اليومية لمنازل أبناء حماس وللمساجد، وقد كانت حماس في تلك
المرحلة تعمل بصمت كبير تبني وتؤسس وتجهز أبناؤها للمرحلة التحرير القادمة، وتعمل على
تطوير منظومة العمل لديها وتوسيع قاعدتها الشعبية والجماهيرية.
وعام 1992م، وجهت (إسرائيل) ضربة لحركة حماس بعد
عملية خطف جندي (إسرائيلي)، فأقدمت (إسرائيل) على إبعاد أكثر من 400 عضو من قيادات
حركة حماس وكوادرها إلى جنوب لبنان في خطوة صهيونية تهدف إلى القضاء على الحركة، ولكن
استمرت حماس في العمل في غزة والضفة والقدس المحتلة ولم يتوقف عطاؤها حتى في غياب القيادات
عنها بل كانت تجربة مرج الزهور بالنسبة لها تجربة مثمرة وبناءة.
وحققت الحركة في الإبعاد كثيرا من الإنجازات على
الصعيدين الدولي والعربي، واستطاعت إيصال صوت الشعب الفلسطيني للعالم والمطالبة بحقوقه
السليبة.
وازداد التفاف الجماهير على حركة حماس وأجبر العدو
(الإسرائيلي) بعد عدة أشهر على التراجع عن قرار الإبعاد والسماح للمبعدين بالعودة إلى
أرضهم سوى 18 منهم.
وبعد تجربة الإبعاد أعلنت حماس موقفها الرافض لاتفاقات
التسوية التي بدأت في عام 1993م والتي تهدف إلى وئد انتفاضة الحجارة وإسقاط حقوق الشعب
الفلسطيني.
وبعد توقيع اتفاقية أوسلو تعرضت الحركة لضربة أخرى
من السلطة الفلسطينية التي لاحقت قياداتها واعتقالهم وزجتهم بالسجون ومنعت نشاطهم قدر
المستطاع، ورغم ذلك عملت الحركة خلال 1995 حتى بداية انتفاضة الأقصى 28/9/ 2000م، فنفذت
حماس عددا من العمليات الاستشهادية التي هزت قلب الكيان الغاصب.
وبعد انتفاضة الأقصى بدأت حماس ترتيب كثير من أورقها
وملفاتها وشكلت حاضنة لانتفاضة الأقصى وجدارا حصينا لحماية هذه الانتفاضة، كما طورت
عملها العسكري ضد العدو الصهيوني وكثفت عملياتها في المستوطنات الصهيونية في قطاع غزة.
وبدأت صواريخ حماس تظهر وبدأ مهندسو القسام في إطلاق
العشرات ثم مئات من قذائف الهاون محلية الصنع على المستوطنات في غزة والبلدات الصهيونية
المحاذية للقطاع إلى أن قرر رئيس الوزراء الصهيوني المجرم أرئيل شارون الانسحاب من
مستوطنات غزة وهو يجر أذيال الهزيمة والعار في 15 أغسطس/آب 2005 بعد احتلال دام 38
عاما، وقد شكلت عملية الانسحاب (الإسرائيلي) التفافا جماهيريا واسعا على حركة حماس
ونهجها المقاوم.
وعام 2006م، دخلت حماس الانتخابات التشريعية وحققت
فوزا ساحقا واستطاعت تشكيل حكومة فلسطينية حملت على عاتقها مهمات كبيرة فيما بدأ الحصار
الدولي والإقليمي يشتد على حكومة حماس، وبدأت العقبات تبرز من أجل إفشال الحكومة وإسقاطها
منذ الأشهر الأولى.
وقد واجهت حماس كل التحديدات الداخلية والخارجية
وثبتت أمام التحديات الكبيرة، فعمل أبناء الحركة في مؤسسات الحكومة لتقديم الخدمات
للمواطنين، وبعد سنتين من نجاح حكومة حماس والانتصار على الحصار وإغلاق المعابر وانقطاع
التيار الكهربائي ووقف إمدادات الوقود والقصف المستمر للإنفاق التي تمثل شريان الحياة
لأبناء قطاع غزة، وجهت (إسرائيل) ضربة قوية للحركة بإعلان الحرب في أواخر عام 2008م.
وقصفت الطائرات مقرات الحكومة ومنازل المواطنين
والمؤسسات المدنية والصحية والمدارس واستمرت الحرب 21 يوما ارتقى خلالها أكثر من
1500 شهيد و5000 جريح فيما تكبدت غزة خسائر كبيرة، ولكن لم تضعف هذه الحرب همة حماس
في العمل والعطاء والبناء فاستمرت حماس في العمل تحت قصف الطائرات وحمم الصواريخ.
واستخدمت (إسرائيل) خلال الحرب الأسلحة المحرمة
دولية ونفذت عملية اجتياح بري لقطاع غزة من عدة مناطق لكنها لم تنجح، وخرجت من غزة
تجر أذيال الهزيمة بعد أن أعلنت وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب من جانب واحد.
وبعد أربعة أعوام، عادت (إسرائيل) الحرب لتنفيذ
حرب أخرى على قطاع غزة وسط متغيرات عالمية ودولية وربيع عربي ونظام مصري جديد وتغير
للأجواء والمجريات، وما إن بدأت الحرب على غزة حتى أعلنت الحكومة المصرية الجديدة برئاسة
د. محمد مرسي رفضها للعدوان وزار رئيس الوزراء المصري في اليوم الثالث للعدوان غزة
للتضامن معها.
وبدأت الوفود العربية تزور غزة تحت القصف والصواريخ
التي تضرب تقتل الأطفال والنساء والمدنيين.
وبعد ثمانية أيام من العدوان أعلنت غزة انتصارها
وتوقف العدوان بهدنة بشروط المقاومة الفلسطينية، وخلال الحرب فاجأت حركة حماس (إسرائيل)
بامتلاكها صواريخ محلية الصنع تصل مدينة القدس المحتلة وامتلاكها مضادات للطائرة إذ
أسقط خلال الحرب عدد من الطائرات، كما أعلنت (إسرائيل) فقدانها اثنين من الطيارين خلال
الحرب على غزة لم يعرف مصيرهما.
إذن، تطورات كبيرة على قدرات الجناح العسكري لحركة
المقاومة الإسلامية حماس جعلت القسام قوة عسكرية ضاربة تواجه أعتى جيوش العالم.
وأمام هذا التاريخ العريق وهذه التحديات الجسيمة
صمدت حماس وثبتت وشكلت صخرة قوية تحطمت عليها كل المؤامرات والدسائس الصهيونية والعالمية
للقضاء عليها وإنهائها وأصبحت قوة لا يستهان بها.
المصدر: الرسالة نت