يوم الأرض الـ 38: فلسطينيو الـ48 بين الترانسفير
ومحاولات نزع الشرعية
حسن مواسي
تحل الذكرى الــ38 ليوم الأرض، اليوم الأحد في
ظل مواصلة الحكومة الإسرائيلية نهجها تجاه فلسطينيي الـ48، كأعداء والعمل على
ضرورة التخلص منهم بأي ثمن. فيوم الأرض الذي أعلن فيه القائد الفلسطيني الراحل توفيق
زياد رئيس بلدية الناصرة آنذاك، أن الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة العام 1948
أعلن الإضراب، في خطوة مفصلية وبارزة من تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وتتزامن هذه الذكرى في وقت تمر القضية
الفلسطينية بمراحل كثيرة ينتقص في كل مرة منها من حقوق الفلسطينيين لتصبح بعضاً من
كلّ داسته جنازير آلات الحفر والبناء الاستيطاني حتى جاء دور فلسطينيي الـ 48
بتمرير وثائق لا شرعية للتخلص منهم. ويتم التعامل معهم على أنهم ليسوا شركاء
سياسيين ولا حقوق لهم باعتبارهم جسماً غريباً وليس باعتبارهم مواطنين حقيقيين
يشاركون في الشأن الديموقراطي.
وبالإضافة إلى مساعي نزع الشرعية عن فلسطينيي
الـ48 عبر طرح مخططات لنقل مدن وقرى المثلث للسيادة الفلسطينية، يمكن استنتاج أن
كل ما تقوم به السلطات الإسرائيلية ليس إلا تسريعاً لفرض السيطرة على الأرض
العربية، والتي تم التخطيط لها. تهدف بالأساس إلى تغير الديموغرافيا في الجليل
والنقب والمثلث، وتنفيذ مخططات على أرض الواقع وجعل اليهود أغلبية في تلك المناطق،
ولتطبيق يهودية الدولة وإقامة دولة يهودية خالصة وخالية من أي جنسيات أخرى.
في النقب وعلى الرغم من قرار الحكومة
الإسرائيلية وقف تنفيذ مخطط «برافر-بيغن» التهجيري الهادف إلى سلب ما يقارب 800
ألف دونم من بدو النقب، ونقلها إلى ملكية الحكومة الإسرائيلية التي تتطلع ضمن مخطط
تهويد النقب وعسكرته إلى توطين نحو ثلاثمئة ألف يهودي في النقب، ضمن مشروع تهويد
وتوطين اليهود في النقب والجليل.
وتأتي الذكرى الـ38 مع مواصلة الحكومة
الإسرائيلية الحالية برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسط تسارع
وتيرة عمليات هدم المنازل العربية في كل مناطق تواجد فلسطينيي الـ48، والتي هدفها
في نهاية المطاف تشريد وإعادة سيناريو النكبة في النقب. ويتسابق أعضاء الائتلاف
الحكومي بوضع التشريعات والقوانين التي تم إدراجها في الاتفاقيات الائتلافية
لحكومة نتنياهو الثالثة وأجندتها تنفيذ المخطط تحت بند «تنظيم الاستيطان البدوي في
النقب»، وتعهدت بإخراجه لحيز التنفيذ خلال فترة ولايتها.
وتحت مسمى الحجة الممجوجة «تطوير» النقب، تعمل
الحكومة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة لتنفيذ مخطط استيطاني واستقدام أكثر من 300
ألف مستوطن يهودي وفق خطة 2020 على حساب وجود بدو النقب، عبر الإعلان عن الشروع
بإقامة 11 مستوطنة جديدة يرافقها مخطط نقل مقرات قيادة الجيش من تل أبيب للنقب.
وقد رصدت الحكومة ستة مليارات دولار ويتوقع إنجازه العام 2018.
فمنذ العام 1948 وإعلان قيام دولة
"إسرائيل" حتى الآن كانت الأرض هي محور الصراع إذ تتعمد السلطات
الإسرائيلية مصادرة الأراضي العربية ومحاصرة التجمعات السكنية الفلسطينية لصالح
تخصيصها للمستوطنات.
وصادرت "إسرائيل" ملايين الدونمات العربية
وزرعت عليها المستوطنات والموشافيم والكوبيتسات، ولم يبق لفلسطينيي الـ48 سوى 2,5
في المئة من مجمل مساحة فلسطين التاريخية.
وتمعن السلطات الإسرائيلية في عمليات المصادرة،
فمرة تصادر الأرض بحجة إقامة المستوطنات، وتارة أخرى تحت مسمى المشروع القطري،
وثالثة تحت ذريعة طريق عابر "إسرائيل" (شارع رقم 6)، ومرة بادعاء إقامة
مناطق عسكرية وغيرها وغيرها.
ومنذ إقامتها تمت إقامة أكثر من 700 مستوطنة على
أنقاض القرى العربية منها ما لا يقل عن 350 مستوطنة في الجليل، وفي المثلث والنقب،
وقامت "إسرائيل" إضافة إلى احتلال الأرض عنوة بالاستيلاء على أملاك
الغائبين، والأراضي الأميرية (المشاع) وهي أملاك حكومة الانتداب البريطاني والتي
تقدر بين 2,5- 3 ملايين دونم، وفرضت هيمنتها على أكثر من 93 في المئة من أراضي
فلسطين التاريخية. وقد سخرت "إسرائيل" برلمانها وسنت القوانين من أجل
شرعنة السيطرة على الأرض الفلسطينية، ومنها: قانون الغائب، وقانون الأراضي البور
وغيرها.
ومن خلال متابعة لما يجري وما تقوم به السلطات
الإسرائيلية حيال فلسطين يتضح أن ما تقوم به هذه السلطات ليس سياسة هامشية أو
محاولة عابرة، إنما تعبر عن الأيديولوجية الصهيونية في التعامل مع الوجود
الفلسطيني، فحقيقة السياسات الإسرائيلية تتوافق مع الخطاب الصهيوني العام، الذي
يقوم على ثلاثة مبادئ ومنطلقات مركزية تهدف إلى تهويد المكان والحيز وهي:
- سياسة التوسع والاستحواذ على الأراضي، حسب
مبدأ «أرض أكثر وعرب أقل»، والذي يعني نشر أقل عدد ممكن من المستوطنين اليهود على
أكثر مساحة من الأرض مقابل حصر أكبر مجموعة ممكنة من الفلسطينيين على أقل مساحة من
الأرض، في خطوة لتهويد الحيز والسيطرة على المكان واستئصال السكان الأصليين كمقدمة
للترانسفير.
- قلب التوازن الديموغرافي في الجليل، التي
يستهدفها المشروع الصهيوني، والمتمثلة بالمشاريع الاستيطانية لتغيير الطبيعة
الديموغرافية للجليل الذي فيه غالبية السكان الفلسطينيين (أكثر من 600 ألف) الذين
يشكلون في الجليل أكثر من نصف السكان (قرابة 51 في المئة).
- قطع أواصر التواصل الجغرافي والبيئي بين
البلدات العربية الفلسطينية وحشو المناطق الجغرافية العربية بالمستوطنات اليهودية،
منعاً لتطورها واتساع مجالها، وطمعاً في حصرها في ما يصطلح على تسميته «الغيتو».
ففي الجليل يطرح في الآونة الأخيرة استئناف
مشروع المناطر، بعد فشل هذا المشروع في قلب الميزان الديموغرافي. وقد أطلق هذا المشروع
في منتصف السبعينات بهدف تغيير الطبيعة السكانية في الجليل وخنق البلدات العربية.
وقد كشف أخيراً في الإعلام الإسرائيلي عن مخطط جديد يهدف إلى جلب 200 ألف مستوطن
يهودي إلى الجليل للاستيلاء على مساحات جغرافية واسعة، ولتفكيك التواصل بين
البلدات والقرى العربية ومنع تطورها مستقبلاً. ومثالٌ آخر هو ما يواجه قرية رمية
التي تتعرض إلى مضايقات من بلدية مستوطنة «كرميئيل» المقامة على أراضي الشاغور
والبطوف لحمل أهلها على الرحيل.
وفي المثلث ظواهر التهويد ما زالت بارزة. وليس
أدل على ذلك من مخطط «النجوم السبع» الذي أعلن عنه وزير البناء والإسكان
الإسرائيلي في حينه ارئيل شارون العام 1991 بهدف إقامة أربع تجمعات مدنية
استيطانية على أراضي الروحة واللجون؛ ومنها توسيع نفوذ مستوطنة «مي عامي» وإقامة
«كتسير» و«حريش» وغيرهما. واعتبر شارع «6» العمود الفقري التي يقوم عليه هذا
المشروع. فقد ساهم شارع «6» في مصادرة آلاف الدونمات ومحاصرة القرى والبلدات
العربية ومنع تطورها. وهناك هدف آخر هو محو ما يعرف بالخط الأخضر تمهيداً لضم
الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.
أما في النقب فالشواهد كثيرة، وعلى رأسها ما
تتعرض له القرى غير المعترف بها من تضييق وحصار وتهميش لدفع أهلها لتركها. ومخطط
«برافر- بيغن» الذي تحول إلى قانون «تنظيم استيطان البدو في النقب» هو أكبر مثال
على السياسات الاستيطانية والتهويدية التي يتعرض لها الفلسطينيون الذين يعتبرهم
مخطط «برافر» مستوطنين وغزاة.
المستقبل، بيروت، 30/3/2014