يوم الأرض ومعنى
المواطنة
بقلم: نصري حجاج
يحتفل الفلسطينيون،
منذ أربعين عاماً، بيوم الأرض الذي مثّل لحظة من لحظات الذروة في الوعي الوطني لدى
فئةٍ من الشعب الفلسطيني، حافظت، ليس على وجودها المادي فقط داخل فلسطين التاريخية،
بل تخطت هذا الوجود لتصبح الضوء المشع في حلكة الهيمنة الاستعمارية على تراب فلسطين.
ويمكن اعتبار يوم الأرض نقلةً نوعيةً وتطوراً درامياً في صورة الضحية المستكينة لفلسطينيي
الداخل منذ تأسيس دولة إسرائيل بالعنف والمجازر والتشريد ومصادرة الأرض، والدخول في
صورةٍ أخرى، أبرزتها المواجهة العنيفة مع الاحتلال، لتأكيد وجودهم المادي والمعنوي،
ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، لا تزال ذكراهم تستثير أسئلةً حول القضية الفسطينية برمتها،
وحول وجود هذه الفئة من الشعب العربي الفلسطيني ضمن دولة محتلة.
أربعون عاماً مرّت
من غير أن تراكم حالةً نوعيةً في استنهاض الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، بحيث تربط
مفاصل التجارب المختلفة للتجمعات الفلسطينية في الشتات والضفة الغربية وقطاع غزة. وإذا
كان هناك من أهميةٍ قصوى لهذا الحراك الوطني داخل العمق الفلسطيني، فهو يتمثل في التحدّي
والمواجهة واستمراريتهما مع الدولة الاستعمارية. ولكن، للأسف، لم تلتقط القوى السياسية
الممثلة لهذه الفئة من الفلسطينيين التي يبلغ عددها اليوم حوالي مليون ونصف المليون،
تلك اللحظة التاريخية الحاسمة في مواجهة الدولة وتطورها، إضافة إلى أن القوة السياسية
الممثلة للشعب الفلسطيني، أي منظمة التحرير الفلسطينية، فشلت، هي الأخرى، في إحكام
نسيج الحراكات الشعبية الفلسطينية بعضها ببعض. ولذا، بقيت ذكرى يوم الأرض اليوم مجرد
احتفال فولكلوري، من غير أي عمل سياسي وتنظيمي، لا على الصعيد الفلسطيني، ولا على صعيد
المجتمع الإسرائيلي.
واليوم، في هذه
الذكرى العزيزة على قلوب الفلسطينيين، تقفز أمامنا الأسئلة الصعبة والقاسية التي دفعها
أمام وعينا الواقع التالف في بنيته والذي يعيشه هذا الشعب. وأبرز هذه الأسئلة ما معنى
المواطنة الفلسطينية؟ ومن هم المواطنون الفلسطينيون قانونياً، وهل ينطبق على كل فلسطيني
في عمق فلسطين والضفة وغزة والأردن وسورية ولبنان والعراق تعريف واحد وجامع للمواطن
الفلسطيني؟ ليس المقصود، هنا، تعريف المشاعر والفكرة والتاريخ والحق بالأرض والانتماء
إلى تلك القرية أو المدينة. ما يثيره السؤال أن المواطن الفلسطيني، بحسب القوانين التي
فرضتها اتفاقات أوسلو، هو من ينتمي إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، في حين
أن فلسطينيي العمق قانونياً هم مواطنون إسرائيليون وفلسطينيو الأردن هم مواطنون أردنيون.
وبذلك، يُقتطع من هذا التعريف القانوني فلسطينيو الشتات في لبنان وسورية والعراق ومصر.
أدت اتفاقيات أوسلو إلى جعل قطاعٍ كبير، تعداده حوالي مليون وبضع مئات من الآلاف، لاجئين
مرة أخرى. ففي مرحلة النهوض الوطني، في نهاية الستينيات، مثلت منظمة التحرير جامعاً
موحداً للتجمعات المختلفة في الشتات الواسع، ورسخت شعوراً بالهوية الوطنية للفئات المختلفة
للشعب الفلسطيني، بمن في ذلك مواطنو العمق الفلسطيني. ما نشهده، منذ المأساة العراقية،
ومروراً بالمأساة السورية، وما أصاب الفلسطينيين هناك، إضافة إلى التخلي الفاجع عن
فلسطينيي لبنان منذ عقود، دليلٌ ساطع على عمق الأزمة الفلسطينية وأزمة الهوية، فقد
أظهرت تلك المآسي كارثية التفسّخ في المجتمع الفلسطيني، فهناك عدم اكتراث رسمي وشعبي
حيال ما يجري لجزءٍ كبير من أبناء وبنات شعبهم، وخصوصاً في سورية، وكأننا وصلنا إلى
هاويةٍ لا قيامة منها، فصار الفلسطينيون كلّ في جغرافيته الضيقة، لا ينظر إلى الآخر،
الّا بما تفرضه صورته عن نفسه، وحرصه عليها ضرراً أو نفعاً.
يشير هذا الواقع
الفلسطيني إلى مدى تهتّك الوعي السياسي لدى الممثلين السياسيين، ولدى النخبة في الوقت
نفسه، ومدى الخلل السيكولوجي العام الذي أنتجته "أوسلو" والهزائم المتتالية،
وفقدان المرجعية، والرضوخ لواقع الحال، والرضى بالقليل في المساحات الضيقة.
المصدر:
العربي الجديد