متابعة – لاجئ نت
في كل مرة ينتشر فيها
فيروس جديد يعود الخفاش إلى مقدمة المسرح، فهذه الثدييات الطائرة أعجوبة من حيث المقاومة
للأمراض المعدية، وقد سعت العديد من الدراسات إلى الكشف عن سر جهازه المناعي الفطري
الاستثنائي.
هكذا لخصت صحيفة لوموند
الفرنسية علاقة الخفاش بالأمراض المعدية في مقال بقلم ناتانيل هيرزبيرغ انطلق مما توصل
إليه العلماء من أن فيروس "سارس 2" الرهيب المسؤول عن وباء كوفيد-19 هو سليل
الخفافيش، تحدر منها مباشرة أو عبر تحولات متتالية، قبل أن ينتقل عبر مضيف وسيط.
ويشتبه علماء الفيروسات
مدعومين بالتحليل الجيني في أن آكل النمل (البانغولين) قد يكون هذا الوسيط بعد أن اكتشفوا
فيروسا تاجيا مشابها بشكل كبير لفيروس "سارس 2" على جزء أساسي من الجينوم
الخاص به الذي يتوافق مع موقع الارتباط على مستقبلات الخلايا الرئوية البشرية.
مجاهيل كثيرة
ومع ذلك، فإن علماء
آخرين يرفضون بشدة هذه الفرضية، لأن "أقرب فيروس معروف لسارس 2 لا يزال حتى الآن
"آر أي تي-جي13" الذي تم العثور عليه في الخفافيش بمنطقة يونان الصينية،
حيث إن بينهما أكثر من 96% من القواعد المشتركة" كما يقول ماسييج بوني عالم الأحياء
في جامعة ولاية بنسلفانيا".
ومع أن هناك الكثير
من المجاهيل فإن الشيء المؤكد -حسب الكاتب- هو ارتباط هذا الفيروس بداية بالخفافيش
كما هو الحال بالنسبة لوباء سارس عام 2003 ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية عام
2012، وحمى إيبولا النزفية التي قتلت 11 ألف شخص في 2014 و2015، ثم فيروس ماربورغ الذي
أودى بحياة المئات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا، ثم فيروس نيباه القاتل
في ماليزيا وسنغافورة وبنغلاديش في التسعينيات، وكذلك فيروس هندرا في أستراليا.
ولهذا الارتباط الظاهر
بين الخفافيش والفيروسات -كما يقول الكاتب- لم تعد تسميتها "أصل الفيروس"
مزحة، ونظرا لأن الخفافيش لا تصاب بمرض خطير من هذه الفيروسات فإن البحث في مقاومة
الخفافيش يمكن أن يساعدنا في مكافحة الأوبئة في المستقبل، وهذا هو اللغز.
وفي نتائج دراسة مقارنة
كبيرة بشأن وجود الفيروس التاجي عبر المملكة الحيوانية تبين أن من بين 12,333 خفاشا
تم اختبارها كانت نتائج 1065 خفاشا إيجابيا، مقارنة بأربعة من 3470 قردا، و 11 من
3387 من القوارض واثنين من 1124 إنسانا.
وخلصت الدراسة -التي
قام بها فريق أميركي في عام 2017 ونشرت في "فايرس إفولوشن"- إلى أن 98% من
الفيروسات التاجية التي تم العثور عليها جاءت من الثدييات الطائرة، كما أن 91 من أصل
مئة نوع مختلف من الفيروسات التاجية المعروفة تم الحصول عليها من الخفافيش.
ورغم كل هذه الاستنتاجات
فإن ميرياديغ لو جويل عالمة الفيروسات في جامعة كاين -والتي قضت عشرين عاما في مراقبة
الخفافيش- دعت إلى عدم التسرع في الحكم، لأن الخفافيش 1300 نوع وتمثل ربع جميع الثدييات
المعروفة، مشيرة إلى أن هذه الحيوانات وجهازها المناعي تأثرت كثيرا بإزعاج البشر لنظمها
البيئية.
وأضافت أن هناك مئات
الأنواع من الخفافيش، وما يبدو مؤكدا هو أن بيئة هذه الخفافيش وجهازها المناعي -خاصة
الطريقة التي جاء بها إزعاج البشر لنظمها البيئية- جلبت جميع العناصر المواتية لسلسلة
من حالات الطوارئ.
فقد أصبحت هذه الحيوانات
-بحسب ميرياديغ لو جويل- تعيش اكتظاظا شديدا وفي حركة مستمرة، مما "يسمح بانتشار
الفيروسات وتنوعها، وبالتالي اكتساب الخفافيش مناعة القطيع"، خاصة أن الفيروسات
تنتشر في المستعمرات "على شكل موجات، وعلى إيقاع الفصول"، علما أن الحصانة
المكتسبة لدى الخفافيش "لا تزال مجهولة إلى حد كبير بالنسبة لنا".
نظام دفاع مزدوج
وعلى مدى السنوات
العشر الماضية بدأت سلسلة من الدراسات لرفع حجاب الغموض الذي أحاط بآلية الدفاع الخلوي
لدى الخفافيش وإبراز مقاومتها المذهلة، بحيث لم يكن هناك فيروس معروف يمكنه قتلها أو
حتى يؤثر بشكل خطير على قدراتها إذا استثنينا حالات نادرة من داء الكلب، فما سر هذه
الكائنات؟
في دراسة بقيادة إيمل
تلينغ من جامعة في دبلن لمقارنة رد فعل البلاعم في الخفافيش والفئران عند مهاجمتها
الفيروسات، وصفت النتائج كيف أن هذه الخلايا المناعية في الفئران تنشط آليات الدفاع
الالتهابية حتى تدمير العامل الممرض "دون مراعاة خطر تلف الكائن الحي".
وقالت تلينغ
"إن هذه العاصفة المناعية غير المنضبطة هي التي قتلت ملايين البشر خلال وباء الإنفلونزا
الإسبانية، وهي ما يقتل ضحايا كوفيد-19 اليوم في وحدة العناية المركزة، وهي ما يتجنبه
الخفاش".
استثناء حي
وفي مملكة الحيوانات
-كما يقول الكاتب- تحتل الخفافيش مكانة خاصة للغاية، وهي نوع من الاستثناء الحي، لأنها
إلى جانب نظامها المناعي الفريد ضد الفيروسات تتمتع بطول عمر غير عادي، وهي لا تصاب
مطلقا بالسرطان، ولديها جهاز معين لإصلاح الحمض النووي وتنظيف الخلايا.
وهذه العجائب الطائرة
لديها في الواقع جهاز مناعي مزدوج، فأول رد فعل التهابي يجعل من الممكن إرسال نوع من
التدفق الدائم للسيتوكينات التي تستهدف المتسلل بمجرد وصوله، ولكن الباحثين وجدوا أنه
بعد فترة من الوقت يبدأ الإنترلوكين في العمل "لتخفيف هذا الالتهاب وتجنب الآثار
الضارة"، تماما كما يحاول الإنعاش حاليا تحقيقه على المرضى "لكن الخفافيش
تفعل ذلك بشكل طبيعي منذ ملايين السنين" كما يقول الباحثون.
وكشف نفس الفريق البحثي
أن الجهاز المناعي لدى الخفافيش -على عكس نظامنا- لا يعرف الشيخوخة، كما أن تركيز الاستجابة
الالتهابية لديها مركز على عدد قليل من الجينات، وتقول تلينغ "قمنا بمقارنتها
بجينومات 42 نوعا من الحيوانات فكان الاختيار الجيني لديها لا مثيل له".
وأشار الفريق في بحث
آخر إلى أن ظاهرة الطيران التي تميز الخفافيش من بين الثديات لها دور كبير "من
الناحية الأيضية أكثر من أي شكل آخر من أشكال التنقل البري"، مما يسمح للخفاش
باستقلاب يفوق 15 مرة ما تحصل عليه القوارض أثناء الجري.
وقد أظهرت دراسة أخرى
أن الاستجابة المناعية غير العادية للخفافيش تؤدي إلى زيادة الفيروسات، وذلك أن الفيروسات
في مواجهة الدفاع المعزز للخفافيش تهاجم بعنف أكثر، ومن المحتمل أن تكون قاتلة بالنسبة
لمضيف آخر.
سلاسل النقل
ومع ذلك، يتطلب نقل
الفيروسات من هذه الكائنات اتصالا مباشرا، مع العلم أنه لا رابطة عادة بينها وبين البشر
ولا حتى الحيوانات اللصيقة بالبشر، إلا أن صيدها أو وضعها في الأقفاص في الأسواق أو
إزعاج نظامها البيئي يجعلها تطلق الفيروسات أكثر من المعتاد كما قالت بعض الدراسات
التي استعرضها الكاتب.
ويرى الكاتب أنه يبدو
أن مكافحة الاتجار بالحيوانات البرية وحظر بيعها في الأسواق إجراء منطقي، ولكن دون
إعفاء الباحثين من محاولة فهم أفضل للممارسات التي من المحتمل أن تخلق سلاسل لانتقال
الفيروسات.
وأشار الكاتب إلى
أن هذا هو الهدف من مشروع متعدد التخصصات لمراقبة الكهوف التي تسكنها خفافيش حدوة الحصان
وحتى المناطق الحضرية، وكذلك الفيروسات التاجية الموجودة في مضيفين مختلفين والممارسات
اليومية السارية.
وختم الكاتب بقول
الهولندية سونيا فيرنس من معهد ماكس بلانك "إذا استطعنا فهم جميع الآليات العاملة
في الجهاز المناعي للخفافيش فإنه يمكننا بالتأكيد الاستعداد بشكل أفضل للفيروسات المستقبلية
واستخدامها مصدر إلهام لتطوير العلاجات، وإنقاذ الأرواح".